رأي

رشيد لبكر: الزاوية التونسية (الحلقة 2)

تتمة للجزء الأول من المنشور الذي لدار القائد التونسي، نعود الآن للحديث عن الزاوية التي يوجد مقرها هي الاخرى بمحاذاة دار المخزن، اي دار القائد احمد التونسي ومن بعده ابنه علال التونسي .

فحسب الرواية الشفاهية التي استقيتها من أحد الأحفاد بالزاوية، يقول ان الجد الأكبر، اي سيدي أحمد بن بارك التونسي، قال لإثنان من ابناءه ابنان، وقد كان الاول منهما، وديعا لطيفا زاهدا : " خليتك حجرة ملسة، اللي حك عليك، حك يدو على الشوك" و قال للثاني وقد كان غليظ الطبع عكس اخيه : " خليت ليك العلم والظلم"...وهكذا حسب الرواية، ورث الأول شؤون الزاوية وكل أحفاده هم من الفقهاء العاكفين على خدمة طلبة العلم وحفاظ كتاب الله، أما الثاني فقد آل إليه أمر القيادة وتمثيل دار المخزن ومنه ينحدر القياد والقضاة واهل الحكم والرياسة ..

بعدما خصصنا الحديث في المنشور السابق عن دار المخزن، نعود الآن إلى الزاوية، التي تحكي بدورها عن تاريخ عريق ومجد علمي بلغت أنواره عنان السماء، وعليه، فبعدما انقسمت الأدوار بين الفقه والحكم على النحو الذي ذكرنا، قام احد حفدة سيدي أحمد بن بارك ( وهم ممن ورثوا العلم والفقه) وهو الشيخ الفقيه سي الحيمر، بتأسيس مقر الزاوية / المدرسة، ليخلفه من بعده كل من الفقيه التونسي والفقيه سي احمد الذي كان واحدا من رموز الكفاح ضد المستعمر بالمنطقة. ...وقد اتخذ كل واحد من الاتجاهين (دار المخزن و الزاوية) مقرا له بالمنطقة كما أوضحنا سابقا وعايناه خلال زيارتنا اليوم ( هذه المرة، ستوضح الصور القادمة وحات من دار الزاوية)، وحاولا ( اي كلا الاتجاهين) التعايش معا في حيز مجالي واحد، رغم الاختلاف في المهام والوظائف.

مازالت دار التعليم بالزاوية م في حالة جيدة الى يومنا الحالي، ولكن المؤسف، أنها اصبحت خاوية على عروشها، بعدما توقفت عن استقبال الطلبة ولم تعد كما كانت منارة للعلم ولحفظ القرآن، بسبب عدم اهتمام واكتراث الجهات الوصية لهذا الامر... خلال جولتنا بالمدرسة/الزاوية، عاينا الحجرة التي كان يقطن بها ابنا السلطان مولاي سليمان عندما لتلقي ، أما مقر سكن الساهرين على الزاوية، اي شيوخها السابق الإشارة إليهم بالتتابع، فلا تقل هي الأخرى جمالا و لا رونقا من جميع المستويات: ابوابها، نوافذها، اسقفها، مطبخها...بل إن الحمام الذي مرت عليه العشرات إن لم نقل المئات من السنين، كان هو الآخر قد صمم بشكل هندسي مقوس على غرار الفخامة التي كانت تشيد في ضوئها حمامات ذلك العصر 

 إلى جانب ذلك، توجد بالزاوية مكتبة أثرية تحتوي على المئات من الكتب و المخطوطات في صنوف معرفية متعددة: فقه، أدب، تاريخ، فلك، متون ( مع الاسف لم تتح لنا فرصة الاطلاع عليها لغياب المسؤول عنها)...وبالدار توجد العشرات من الحجرات المخصصة لطلبة العلم ، حيث كان يوفر لهم كل مؤن الأكل والشراب ليتفرغوا فقط للعلم والحفظ والتحصيل...وحتى المرأة لم تكن تستنثى من التعليم، حيث روي لنا، ان الشيخ الأكبر للزاوية، كانت له بنتا تسمى ب"لاللا الطالبة" (بتسكين اللام)، عدت (بضم العين) ساعتها من نوابغ جيلها في الفقه و الأدب المتون...

مع الاسف كل هذه التحف التي نوثق لها بالصور تعاني الآن من التهميش، رغم جمالها وغنى ما تحكي عنه من تاريخ وأحداث. 

لذا نوجه نداءنا من جديد، لكل من له اختصاص الدود عن التراث، بضرورة الالتفات إلى هذا المكنون الحضاري التليد الذي يقاوم النسيان ويشتكي ظلم الأهل وقساوة الجحود ... 

كانت هذه إذن صفحات من مغربنا العميق فعلا ، إذ العميق دائما نفيس وناذر كلآلئ البحار، وما يوجد بدكالة يوجد بأي منطقة أخرى بمغربنا الحبيب...فقط لو خص ببعضةالاهتمام...