رأي

المصطفى تكاني: مسموح في مدينتنا الفاضلة

أنا لست أفلاطونيا ولا حكيما ولا واعظا ؛ أنا فقط سمحت لنفسي أن أثرثر حول السلوك المدني بمدينتنا الفاضلة.

في مدينتنا الفاضلة مسموح لنا أن نتجاوز قيم السلوك المدني التي تركز عليها مؤسساتنا التربوية : بدءا من الأسرة إلى المدرسة ، تعريجا على الحي والشارع ، مرورا بمختلف المؤسسات الثقافية ومحطات التواصل الاجتماعي، والقنوات المسموعة والمرئية، ووسائل الإعلام من صحف ومجلات ، ناهيك عن الندوات واللقاءات ، ودور المسارح والمراكز الثقافية.

ألفيت نفسي مهووسا بإلقاء خطاب الثرثرة حول جوانب من السلوك المدني الذي نعيشه في مدينتنا الفاضلة ، لا أستثني نفسي كي لا أنعت بعض الفضلاء بنعوت هم بُــراء منها ؛ ولا أجزم القول أني عاصم عما هو مسموح به في مدينتنا الفاضلة وما لا أقوم به ، وجدت ما وجدت في مدينتنا من سلوكات أصبحت متأصلة في المسموح به ، فتصيرُ الأمورُ المنجزةُ بعيداً عن المسموح به في مدينتنا الفاضلة نشازاً وعبثاً وخروجاً عن المألوف ، وكأن المعتادَ أصبح هو المسموح به في حياتنا.

في مدينتنا الفاضلة مسموح بما يلي :

- مسموح أن تسير وسط الشارع أو على يسار حافة الطريق وليس على الرصيف ؛ لأن الرصيف مملوء بأشياء أخرى لا أمتلكها أنا أو غيري من الراجلين ؛ بل هي للآخرين من أصحاب الدكاكين والمقاهي و" الفراشين " وغيرها وغيرهم .

- سموح أن أعْـبُـرَ الشارع راجلاً من ضفة إلى أخرى وسط الطريق لعدم وجود ممرات خاصة للراجلين ، وحين أجدها لا تسمح لي السيارات أن أمر بها ، ناهيك عن أصحاب الدراجات النارية عموما و" عفاريت التوصيل " من أصحاب الدراجات النارية المكلفين بالتوصيل الذين هَـمُّــهُـم أن تطير بـ " الخدمة المطلوبة " قبل أن يرتد الطَّــرْفُ إلى أصحابها المطالبين بالخدمات ؛

- مسموح ألا يقف بعض أصحاب السيارات عند علامة " قف " أو الوقوف عند الضوء الأحمر ، وقبل أن تتحول الإشارة الضوئية من الأحمر إلى الأخضر تَـتَـقاذفُـكَ أصواتُ منبهات السيارات التي هي وراء السيارة الأولى بسرعة قبل وميض البرق ؛ وكأنها تعبيرٌ عن شرح عبارة معنى " في رمشة عين " للسائل عن مدلولها ؛

- مسموح أن ترمي " ما فَضُلَ عنك " وأنت داخل سيارتك بما جادت به يداك من فضلات لتتخلص من أوساخها إلى الشارع وسط الطريق ؛ دون مبالاة مَـنْ هُـم وراءك ؛ لقذف ما بيدك من " كاغط " وقنينات بلاستيكية ، وأحيانا معدنية ، ومن بقايا السجائر أو ما شاء لك من ... ، وكأن سيارتك أنقى من الشارع ؛

- وأنت تسير راجلاً على الشارع مسموح لك أن ترمي بقايا السجائر على الأرض ، أو العلكة التي تلوكُـها بعد أن فقدتْ نَـكْـهَــتَـهـا ؛ فتبصق بها على الأرض ، أو رمي ما أخرجته من مخاض فمك على الأرض " حاشاك " ؛ إن هذه الأمور هي بقايا وفضلات عنك ، ولستَ مسؤولاً عما هو مرمي موجودٌ بالشارع ؛

- مسموح أن تتبول على الحائط ؛ أحيانا بعيدا عن الأنظار ؛ لأنك " محصور " ، ولأنك لم تجد أي مرحاض عمومي على الطريق أو الشارع ، وحين تريد أن تقضي حاجتك البيولوجية تكون مضطرا للدخول إلى مقهى ؛ إن كان مرحاضُها غيرَ مغلقٍ بالمفتاح ؛ فـتضطر إلى مطالبة النادل / صاحب المقهى بفتحه ، تؤكد له أنك ستقوم بحاجتك وبعد رجوعك لأخذ مشروبك ، ممكن حينا ، أو أن تنسل بعيدا عن أنظار النادل / صاحب المقهى " الشرسة " بعد أن قضيت حاجتك فترتاح منها ؛

- مسموح جدا أن تَـغُـضَّ الطرف عن الأخطاء اللغوية المنتشرة أمام أعينك وأعين الرقيب ؛ باللغة العربية الفصحى أو اللغة الفرنسية على السواء ، وهي تلك العبارات التي تُــزَيِّـنُ الدكاكين والمحلات التجارية ، والملصقات ، واليافطات الموجِّــهَــةِ للطرقات والشوارع . أعترف لكم أني أصبحت جاهلا لأَتَـهجَّـى عباراتٍ سَمح نَـدْلٌ لنفسه بتحويل عباراتٍ باللغة العربية الفصحى إلى الدارجة " لغرض مقصود " ، أو بحروف لاتينية باللغة الفرنسية " منقولة " عن عبارات بــ " عربية دارجة " ؛ فأقف منبهرا وكأنها طلاسم يصعب عليَّ فكُّ رموزها ، إلا عمن كتبـَـها ؛ أطلب من الله تعالى أن يَـفُـكَّ له في حياته فَـكَّــيْـهِ ؛

- مسموح بالألف مرة لمن كتب عنوان يافطة لاسم صاحب شارع لأعلامٍ لا نَـعرفُ الكثير من أصحابها ؛ ناهيك عن تحريف هذه الأسماء عن أصلها الصحيح أو مُـغَيَّـرة ًمن أول الشارع أو الزقـــاق نفسه إلى موضع آخر وسطه أو عند نهايته . يا سادة يا كرام إن التعريف بصاحب الشارع ثقافة ومعرفة وَجَبَ تعرفُّــها كلًّ المـارِّين كباراً وصغاراً ؛ ما ضَرَّ المسؤولين عن جماعاتنا مِـنْ إضافة ما يثبت هويـة صاحب الشارع : صفتــه وتاريخ مولده - وفاته ، وهل هو فعلا أنـه " عَـلَمٌ أشهرُ من نار على جبل " كي نُـثْـبِتَ اسمه في هذا المكان أو غير ذلك ؛

- مسموح أن يوقفـك أو توقـفـك أشباح من أشخاصٍ يتسولون بأطفــال صغار " نثروهم " ، وقد " اجتثوهم " من مدارسهم ، ليشتروا بهم دراهم معدودات " يسترزقون بهم " ؛

- مسموح أن تغش في الامتحان ؛ لأن من لا يـغش يُـعَــدُّ غَـبِـيّاً وضعيفا ، وليس " قافزا " ، ومن يجتهـد ويسهر الليالي للتحصيل والدراسة شخص غير عادي ولا يساير زمنـه وعـصره . وبالتالي " من غشنا فهو منا " ومن لا يغشّ ليس منا ؛

- مسموح أن تسلك سلوك " التنمر " مع من في محيطك من أصدقائك وزملائك في المدرسة والعمل ، وأن تسلك سلوك التحرش والعنف مع صديقاتك وزميلاتك في المدرسة والعمل . أمرٌ سَهْلٌ عليَّ ، لكنه صَعْبٌ على الأخيار الفضلاءِ ؛

- مسموح أن تخون الأمانة والعهد مع زملاء عاشوا ردحا من الزمن معكم ، وتركب مراكب التعالي والنفاق ، لأنك أنتَ أنتَ من هو الذي لا يعرفه الآخر ؛

- مسموح وأنا أسوق سيارتي ألا أفسح الطريق لسيارة الإسعاف لنقل مصاب إلى المستشفى ، رغم التنبيهات التي يقوم به سائق سيارة الإسعاف للسيارات التي حجبت عنه مسار التنقل المستعجل ، وحين تجد سيارة الإسعاف مسلكا للمرور أتبعها وراءها لأني سأغتنم الفرصة للجري وراءها تاركا الازدحام خلفي فرحا ؛

- مسموح جدا ألف مرة أن تسمح لنفسك بضرب عرض الحائط ما قَـدَّمتْ لك أمُّـك وأبوك وأساتذتُك من نصائح وقيم حول تنفيذ قيم السلوك المدني ، والمحافظة على البيئة . أمرٌ سهلٌ هَـيِّـنٌ لأن تلك النصائح والقيم تعابير رنانة فقط ، وحبر على الورق ؛ لا تلزمك في حياتك ؛ فافعل ما تشاء ، إنا نقول لآبائنا وأساتذتنا كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " ؛

- مسموح لي أن أطلب منكم سادتي الكرام إعادة تربيتي لأنني لم أستطع القيام بما طُلِبَ مني لتحقيق أمنيتي في تطبيق مبادئ وقيم التربية على المواطنة ، وسلوك التربية البيئية بمدينتنا الفاضلة .