أولاً، بداية التونر جاءت بعد أن مالت باريس للجزائر وتعمدت الابتعاد قليلاً عن الرباط وتمثل ذلك بتعمد اتخاذ أي خطوة إيجابية معلنة في قضية الصحراء المغربية.
ثانياً، صعدت فرنسا التوتر بإعلانها ما أسمته عقوبات ضد المغرب بتشديد عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة كرد، كما ادعت، على رفض الرباط تسلم مهاجرين غير شرعيين.
ثالثاً، رغبة المغرب في تنويع علاقاته الاقتصادية وخاصة استثماراته بأفريقيا ونيته سن شراكات مهيكلة مع دول الساحل وهو ما اعتبرته فرنسا سحباً للبساط من تحت أقدامها.
عمرت هذه الأسباب بين سنتين وثلاث سنوات مما لا يخدم الطرفين وهما معاً خاسرين، لكن المغرب يعي ذلك ويتحمله انسجاماً مع توجهه الجديد؛ إما معنا أو ضدنا.
في هذه الأجواء الباردة بين البلدين، بدأت ترتفع أصوات فرنسية منددة بما أسمته "المعاملة السيئة من طرف فرنسا لحليف تاريخي ووفي" وهو المملكة المغربية، وخاصة حزب الجمهوريين وحتى أصوات من اليمين المتطرف لمارلين لوبين فيما خص جان لوك ميلانشون المغرب بتنويه خاص خلال زيارته الأخيرة للدارالبيضاء. وهكذا أصبحت العلاقات الفرنسية المغربية أحد ملفات السياسة الداخلية الفرنسية وهذا يُحسب للديبلوماسية المغربية.
من جهة أخرى، لقد ضاقت الحكومة الفرنسية وعلى رأسها الرئيس ماكرون ضرعاً بتنطع حكام الجزائر وافتعالهم في كل مرة أزمات وهمية مع باريس وتشبتهم بريع الذاكرة كأنه أصل تجاري سياسي.
لذلك، أعتقد أن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لن تمر مرور الكرام في الرباط لكن هاته الأخيرة ستنتظر الخطوة الأولى من فرنسا ولعل صانعها لن يكون سوى السفير الفرنسي بالرباط لوكورتيي الذي لا شك أن الإشارة قد وصلته وأنه بدأ الاشتغال عليها.
وكما يُقال في عالم الديبلوماسية، ليس هناك لا صداقة ولا عداوة دائمة وإنما مصالح مشتركة، فالسياق العام للمنطقة يقتضي تقارباً بين البلدين لأن ضياع المزيد من الوقت لا يخدم الطرفين، لأنه في الأخير وكيفما كانت الظروف والسياقات لن تتخل المملكة المغربية عن خارطة طريقها في ملف الصحراء.