تحليل

هل تنجح الأحزاب في حلحلة العلاقات الباردة بين باريس والرباط؟

يوسف لهلالي

يبدو أن خريف العلاقات المغربية الفرنسية بدأ يطول، المتفائلون يعتبرون ان نهايته اقتربت، وان مبادرات بعض الأحزاب خاصة حزب الجمهوريون الفرنسي المعارض ستاتي اكلها في القريب العاجل، اما المتشائمون، فيعتبرون ان خريف هذه العلاقات سوف يستمر حتى نهاية عهدة الرئيس ايمانويل ماكرون الذي سقط بشكل مدوي في متاهات الاختيار في العلاقات بين الرباط والجزائر. وعوض تعزيز تحالفه مع أحد البلدين فقد الاثنين. وفشل رهانه في ربح العاصمتين.

طبعا الأحزاب وشخصيات المجتمع المدني لعبت دورا كبيرا في تعزيز العلاقات بين العاصمتين وفي تجاوز بعض السحب التي تمر منها أحيانا العلاقات بين الرباط وباريس. اليوم الأحزاب الكلاسيكية فقدت دورها بفرنسا مند وصول ايمانويل ماكرون الى الاليزيه، ورغم احتفاظه ببعض الأشخاص الذين ينتمون الى الأحزاب التاريخية، فان تأثيرهم لم يكن كافيا من اجل ترميم العلاقات بين باريس والرباط والتي بدأت بشكل طبيعي وغلب عليها طابع الاستمرارية في بداية عهدة الرئيس الحالي قبل ان تدخل مسار التوتر وسوء الفهم الذي يعتبر الأطول من نوعه في فترة الجمهورية الخامسة.

في الأسابيع الأخيرة، تمت بعض المبادرات والتي قام بها منتخبون ونواب وكذلك أحزاب سياسية أهمها مبادرة حزب الجمهوريون المعارض من خلال زيارة زعيمه إيريك سيوتي، رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي، ورشيدة داتي، وزيرة العدل السابقة والشخصية البارزة باليمين الفرنسي.

وأكد الفاعلان الحزبيان اثناء زيارتهما للمغرب في حوار نشرته صحيفة "تيل كيل" الأسبوعية، أن هذا الحزب السياسي الفرنسي الكبير "يتبنى حل الحكم الذاتي" الذي اقترحته المملكة والذي تسانده العديد من البلدان الاوربية.

وطالب سيوتي في تصريح للصحافة المغربية بعد زيارته للمغرب ولقائه بعدد من المسؤولين السياسيين أبرزهم الوزير الأول عزيز اخنوش بتصحيح الأخطاء المرتكبة وغياب التقدير تجاه المغرب، مبرزا أن الروابط التي تجمع المغرب وفرنسا "قوية جدا". هذا التصريح هو لاحد أبرز قادة المعارضة الفرنسية حول الأخطاء المتركبة وغياب التقدير تعكس مدى عمق الازمة وعدم قدرة المسؤولين الحاليين بفرنسا على تجاوزها.

بيان الحزب الجمهوري الذي صدر قبل الزيارة الرسمية لقادة الحزب ما بين 3 و4 من ماي الماضي يحمل العديد من الدلالات حول عمق هذه العلاقات يقول البيان في أحد فقراته "الزيارة تندرج في إطار استمرارية العلاقات التاريخية التي تجمع المملكة المغربية والعائلة الديغولية والروابط التي جمعت الملك الراحل محمد الخامس والجنرال دوغول، رفيق التحرير." كما تهدف الى مواكبة "علاقة الاخوة والمسؤولية «بين الجمهوريون والمملكة، والاهتمام المشترك بضمان استقرار منطقة البحر المتوسط."

طبعا بيان الحزب الجمهوريون، وهو استمرار لعمل العائلة السياسية الدوغولية، وذكر بالعلاقات الخاصة بين البلدين، والتي بنيت مند انهاء عقد الحماية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي والتي لم تشهد انحدارا وتراجعا مثل ما يقع اليوم، حتى في أكبر الازمات والتي عاشتها العلاقات بين البلدين، في عهد الرئيس فرنسوا ميتران بسبب تدخل زوجة الرئيس الراحل في قضايا الوحدة الترابية للملكة. والبيان الذي صدر عن الحزب بهذه المناسبة هو عنوان على تميز علاقات المملكة بالأحزاب الكلاسيكية والتاريخية للجمهورية وهي علاقات تعاني اليوم من التحول في المشهد السياسي الفرنسي.

وفد من لجنة الصداقة المغربية الفرنسية بمجلس الشيوخ والتي يترأسها كريستيون كومبو والذي زار المغرب في نهاية شهر ماي بدعوة من نظيره المغربي محمد زيدوح. وعبر السيناتور الفرنسي لنظرائه المغاربة عن رغبته في تطور الموقف الفرنسي في قضية الوحدة الترابية للمغرب وفي مساندة المبادرة المغربية في هذا المجال.واصدرا الجانبين بيانا في نهاية الزيارة من اجل إعادة الدفيء الى العلاقة بين العاصمتين.

وحسب الاعلام في الضفتين، فان ما عقد العلاقات بين البلدين هو الموقف الغامض لقصر الاليزيه من القضية الوطنية في ظل الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وكذلك التسريبات التي تمت حول قضية بغاسوس واتهام المملكة بالتجسس على الرئيس والنخبة الفرنسية وهو ما تم نفيه بشدة، باعتبار ان الرباط لا تتوفر رسميا على هذا التطبيق. بالإضافة الى استعمال التأشيرة من طرف الحكومة الفرنسية كوسيلة ضغط على النخبة الفرنكوفونية المرتبطة بفرنسا وهو اجراء زاد من تأزيم العلاقات ومن المس بالصورة الإيجابية التي كانت لفرنسا بالمغرب.

فرنسا انتبهت لهذه الوضعية، وارسلت وزيرة الخارجية كاترين كولونا الى الرباط في شهر ديسمبر الماضي، وعينت سفيرا جديدا، وأعلنت نهاية سياسة التضييق في التأشيرات على المغاربة الذين يزورن فرنسا للعمل او السياحة. لكن هذه الخطوات لم تكن كافية بالنسبة لرباط التي كانت تريد وضوحا أكبر لقصر الاليزيه حول القضية الأولى للمغاربة، وهو ما عبر عنه المغرب من خلال ترك منصف السفير شاغرا بباريس بعد تعيين السفير السابق محمد بنشعبون في منصب اخر. وأصبح الخلاف بين الطرفين أكثر بروزا بعد ان أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "علاقات شخصية وودية " مع العاهل المغربي محمد السادس وهو ما تم الرد عليه عبر وسائل الاعلام وبسرعة باعتبار ان العلاقات بين البلدين " ليست جيدة، وليست ودية سواء بين الحكومتين او بين القصر الملكي وقصر الاليزيه."

هذا البيان اخرج هذه الازمة من الصمت الى العلن، خاصة ان الرباط لم تخفي امتعاضها الكبير من الحملة التي قادها البرلمان الأوربي ضد المغرب والتي لعب فيها المقربون من الرئيس الفرنسي دورا أساسيا حسب الرباط وتوجيه اتهامات للمغرب في قضية "قطر غيت" وفي التجسس على القادة الاوربيون.

المؤسسة التشريعية المغربية دخلت على الخط فيما يخص الازمة بين البلدين، حيث جاء في البيان الذي وقعه رئيس مجلس النواب ومجلس المستشارين الذي عبر فيه " عن خيبة امله إزاء الموقف السلبي والدور الغير البناء الذي لعبته خلال المناقشات في البرلمان الأوربي والمشاورات بشأن التوصية المعادية لبلادنا، بعض المجموعات السياسية المنتمية لبلد يعتبر شريكا تاريخيا للمغرب." وهي إشارة واضحة لدور الذي لعبه حزب الرئيس في هذا القرار حسب مصادر الرباط.

ترتب عن ذلك، الغاء العديد من الزيارات الرسمية المعتادة بين أعضاء الحكومتين. وهو ما جعل الازمة الصامتة بين باريس والرباط تصبح علنية حيث دخلت على الخط المؤسسات التشريعية بالبلدين سواء من خلال البيان الذي أصدرته المؤسسة التشريعية المغربية ضد ا البرلمان الأوربي الذي تدخل في السيادة المغربية واشار البيان أيضا الى الدور السلبي والعدائي لبعض النواب الفرنسيين المقربين من الحزب الحاكم. هناك أيضا الاسئلة الشفوية التي طرحت على الجمعية الوطنية من طرف المعارضة اليمينية الى وزيرة الشؤون الخارجية كاترين كولونا، حيث تساءل أحد البرلمانيين من المعارضة هنري ديمون " لمادا تسعى السياسة التي تتبعها فرنسا بشكل ممنهج الى نسف عقود من الصداقة مع المغرب؟ وأضاف النائب ان الازمة بين العاصمتين لم تعد شائعة تروجها بعض الصحف وهو ما يتطلب نزع التصعيد."

وهو ما يعني ان عمل الأحزاب السياسية في البلدين من اجل حلحلة هذه العلاقات المتوتر لم يعد كالمعتاد. حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان يلعب دورا هو الاخر في السابق سواء من خلال علاقته بالحزب الاشتراكي الفرنسي او من خلال الأممية الاشتراكي، لكن هذا الحزب يوجد اليوم في المعارضة ولم تعد له نفس القوة والتأثير حتى داخل المعارضة الفرنسية حيث تقلص عدد نوابه بشكل كبير جدا، وأصبح حزب فرنسا الابية وهو يساري راديكالي أكثر قوة في التحالف الذي يشكله اليسار بالبرلمان الفرنسي.

حزب الرئيس ايمانويل ماكرون "النهضة "وهو دو توجه ليبيرالي يميني لم يقم بخطوات إيجابية تجاه نظرائه من الأحزاب المغربية عدا خطواته في التعبئة بالبرلمان الأوربي، من اجل الضغط على الرباط وهو السلوك الذي اعتبر عدائيا من بلد كان يعتبر صديقا تاريخيا.