مجتمع وحوداث

الداكي يؤكد أهمية دور مهنة المحاماة ويبرز مساهمتها في تاريخ العدالة المغربية

كفى بريس

قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، إن "مهنة المحاماة ساهمت في مجموعة من المحطات التي عرفها تاريخ العدالة المغربية خدمة لقضايا المجتمع، وإرساء للمسار الديمقراطي والدفاع عن حقوق الانسان والحريات"، داعيا إلى الاستعداد لمواجهة التحديات التي ستواجهها المهنة، في ظل انتشار التكنولوجيا الحديثة المتطورة.

وجاء ذلك في كلمة ألقاها الداكي، زوال الخميس بالداخلة، بمناسبة انعقاد المؤتمر 31 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، تحت شعار "المحاماة بالمغرب، نضال وطني مستمر ، أمن مهني ملح، وانتماء إفريقي دائم"، وأكد فيها أن انعقاد هذا المؤتمر في هذه المرحلة الدقيقة وما سينكب على مناقشته من مواضيع بالغة الأهمية، "من شأنه أن يشكل مناسبة سانحة لتوحيد الرؤى حول القضايا الكبرى التي تخدم مصلحة العدالة ببلادنا".

وأورد المتحدث ذاته، أن مهنة الدفاع اضطلعت بأدوار أساسية أذكت الروح الوطنية من أجل المطالبة باستقلال المغرب، مبرزا أن المحاماة كغيرها من المهن القانونية والقضائية تواجه في عالم اليوم عدة تحديات، تطبعها مجموعة من المتغيرات التي يشهدها العالم بسبب الثورة التكنولوجية والرقمية المتسارعة التي غزت جل مناحي الحياة اليومية مما سيؤثر بصفة مباشرة على طرق وأساليب ممارسة المهنة جراء اكتساح الذكاء الاصطناعي لمجموعة من المجالات. 

وهذا ما يقتضي، يضيف رئيس النيابة العامة، "الاستعداد لمواجهة التحديات التي ستواجهها المهنة، في ظل انتشار التكنولوجيا الحديثة المتطورة، مما يتطلب ضرورة الإلمام بتقنيات الاتصال الحديثة وأساليب العمل العصرية، فالظرفية المعاصرة تفرض اليوم بالإضافة إلى ذلك كله، تأهيل المهنة بإدخال الثورة المعلوماتية في بنيتها، كي تمكنها من مواكبة المتغيرات الثقافية والاقتصادية، والاجتماعية، الوطنية والدولية، وتنامي دور التبادل الرقمي". 

وبعد أن أبرز مزايا الداخلة، باعتبارها مدينة الغراء من ربوع وطننا الحبيب، حاضرة الأقاليم الجنوبية، ولؤلؤة الجنوب التي أضحت وجهة سياحية عالمية ومنطقة جذب للاستثمار وقبلة احتضان أكبر المنتديات والملتقيات الدولية، أكد الداكي أن مهنة المحاماة ساهمت أيضا إلى جانب باقي الفاعلين في الدينامية التشريعية التي عرفتها بلادنا من خلال العديد من التوصيات والمقترحات التي قدمتها بشأن مجموعة من النصوص القانونية التي وسعت هامش الحقوق والحريات وكرست ضمانات المحاكمة العادلة بتنسيق وثيق مع باقي المتدخلين في مجال العدالة، وذلك انسجاما مع ما ورد في الرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المؤتمر 49 للاتحاد الدولي للمحامين المنعقد بفاس يوم 31/08/2005.

واستعرض الداكي كلمة الملك التي جاء فيها :(فالمملكة المغربية حريصة على أن تظل رسالة الدفاع حاضرة بمصداقيتها، في قلب الممارسة المؤسسية، التي تنهض بها السلطة القضائية، باعتبارها الضامن الفعلي لمساواة المواطنين أمام القانون وسيادته، واستقرار المجتمع، والثقة في المعاملات، وتحفيز التنمية والاستثمار. ومن ثم جعلنا في مقدمة ركائز مشروعنا الديمقراطي، الارتقاء بالعمل القضائي، وتأهيله باستمرار، مهيبين بوزارة العدل، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، أن تنسج فيما بينها علاقات شراكة وتعاون ثابتة، في إطار المسؤولية والتعبئة، من أجل تحديث المنظومة القانونية، وتأهيل كل الفاعلين في الحقل القضائي، مع الانفتاح على التجارب المثمرة، والاستشراف للغد الأفضل..) انتهى النطق الملكي السامي. 

وشدد على أن "أهمية رسالة المحاماة تنبع من جسامة الأمانة التي تتحملها في الإسهام في إقامة العدل، وصيانة الحقوق، وضمان مبدأ سيادة القانون في إطار المبادئ الكونية للعدالة. والتي تعكس مساراً طويلاً من العمل الدؤوب والمتواصل حتى استطاعت مهنة المحاماة أن تتبوأ المكانة التي تستحقها، فالحق في الدفاع لئن كان من أقدم الحقوق المعروفة في المجتمعات البشرية منذ أن وجدت الخصومة". 

مع ذلك، يورد رئيس النيابة العامة، "لم تعرف مهنة المحاماة ببلادنا طريقها نحو التقنين إلا مع سنة 1913، حيث خصص لها المشرع في أول ظهير لقانون المسطرة المدنية الصادر  بتاريخ 12 غشت 1913 اثنى عشر فصلا، ولقد ظل نظام المحاماة الصادر سنة 1913 مطبقا أمام المحاكم إلى حدود سنة 1924 حيث حل محله قانون صدر بتاريخ 10 يناير 1924 يتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة". 

واضاف أنه وبعد حصول المغرب على الاستقلال، صدرت عدة قوانين متعلقة بتنظيم المهنة وضبط قواعدها، ومن بينها المرسوم الملكي بتاريخ 19 دجنبر 1968 الذي ألغي بمقتضى القانون رقم 79-19 بمقتضى ظهير 8 نونبر 1979 المتعلق بتنظيم نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة، ثم الظهير الشريف رقم 162-1-93 الصادر في 10 دجنبر 1993 بشأن تنظيم مهنة المحاماة والذي وقع تغييره وتتميمه بموجب القانون الصادر بتاريخ 10 غشت 1996. هذا الأخير تم نسخه بمقتضى القانون رقم08-28 الصادر في 20 أكتوبر 2008.

وأورد أنه إذا كان هذا السرد التاريخي يعكس التطور الذي عرفه التنظيم القانوني لمهنة المحاماة، فإن ممارسة مهنة الدفاع بالمناطق الجنوبية من المملكة كان لها طابع خاص وذلك بسبب هيمنة الأعراف القبلية على حل الخصومات، حيث كان التقاضي في المناطق الصحراوية يتم أمام القاضي في شكل ترافع تقليدي يعتمد على الثقافة الشفاهية ويعتمد النقل والتواتر إلى أن صار تراثاً محفوظاً في صدور فقهاء وقضاة المنطقة، كما كان أفراد قبائل هذه المناطق يلجؤون إلى بعض الحكماء من القبيلة ليتدخلوا بين أطراف الخصومة ويردّوا الأمور إلى نصابها.

وأشار إلى بعض هذه المحطات التاريخية في مسار تطور مهنة الدفاع إيماناً بأن الماضي هو صلة الوصل بالحاضر والذي تتأسس عليه نظرتنا للمستقبل، لذلك أعتقد أنه إذا كانت مهنة المحاماة قد استطاعت بعد مرور كل هذه المحطات أن تتبوأ المكانة التي تستحقها، فإن تعزيز مكانتها ودورها في مجال الدفاع عن صون الحقوق والحريات يتطلب تكريس كل الطاقات والإمكانيات من أجل انخراط الجميع في تكريس مواصلة معالم الإصلاح للعدالة الذي ينتظره منا جميعا القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ومن خلفه كل مواطن يرغب في الولوج إلى العدالة، وذلك عبر الرفع من جودة العدالة ببلادنا التي هي من واجبنا جميعا قضاة ومحامين ومساعدي العدالة. وذلك في إطار الرؤية المستقبلية للعدالة التي تسعى إليها بلادنا والقائمة على تحقيق النجاعة القضائية، وتقليص آجال البت في القضايا وتبسيط إجراءاتها، وتسهيل ولوج المرتفقين إلى العدالة ورقمنة الخدمات، بما يسهم في تعزيز قيم النزاهة والشفافية، وتحسين المناخ العام للإستثمار. 

واستطرد الداكي موجها كلمته للحضور: "إن استحضاركم لروابط الانتماء الإفريقي لبلادنا ضمن أشغال هذا المؤتمر إنما يعكس اهتمام جمعية هيئة المحامين بالمغرب بالقضايا الوطنية الكبرى. فالمغرب بحكم انتمائه الجغرافي ينتمي إلى قارة واعدة في شتى المجالات، والتي من سماتها التنوع والحضارة الضاربة جذورها في التاريخ وهي كلها قواسم مشتركة تدفعنا إلى تعزيز هذه العلاقات والروابط التاريخية، وأعتقد أن انفتاح أسرة الدفاع ببلادنا ومد جسور التعاون مع نظرائها ببعض الدول الإفريقية الشقيقة من شأنه أن يحقق التكامل والاندماج بين أسرة الدفاع الإفريقية والتي تتقاسم مرجعيات كونية موحدة تؤمن بقيم العدالة والمساواة والحرية".

وتابع: "والأكيد أن انفتاح هيئة الدفاع على محيطها الإفريقي يندرج ضمن سياق المجهودات الحثيثة التي تبذلها بلادنا من أجل تكريس عمقها الإفريقي باعتبارها شريكا أساسياً في دعم مسار التعاون والتنمية في البلدان الإفريقية الشقيقة وذلك تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والذي ما فتئ جلالته يؤكد في خطبه السامية على ضرورة بلورة نموذج فريد وملموس للتعاون جنوب جنوب، وفي هذا الإطار جاء في كلمة جلالته بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2016 ما يلي: (إن إفريقيا بالنسبة للمغرب أكثر من مجرد انتماء جغرافي، وارتباط تاريخي . فهي مشاعر صادقة من المحبة والتقدير، وروابط إنسانية وروحية عميقة، وعلاقات تعاون مثمر، وتضامن ملموس، إنها الامتداد الطبيعي، والعمق الاستراتيجي للمغرب. هذا الارتباط متعدد الأبعاد، يجعل المغرب في قلب إفريقيا، ويضع إفريقيا في قلوب المغاربة. وهو ما جعلنا نضعها في صلب السياسة الخارجية لبلادنا) انتهى النطق الملكي السامي. 

وأوضح الداكي انه و تفعيلاً لهذه التوجيهات الملكية السامية، انخرطت رئاسة النيابة العامة بدورها في هذا السياق الهادف إلى مواكبة انفتاح المملكة المغربية على عمقها الإفريقي من خلال تعزيز علاقات التعاون مع العديد من الدول الإفريقية لاسيما في مجال التعاون القضائي، وتبادل الخبرات والتجارب في المجالات ذات الصلة بمجال عمل النيابة العامة، وفي هذا الإطار انضمت رئاسة النيابة العامة لجمعية المدعين العامين الأفارقة حيث تعتبر عضوا فاعلاً فيها، إذ تشغل فيها منصب نائب الرئيس عن منطقة شمال إفريقيا، كما عملت أيضا في إطار تفعيل الدبلوماسية القضائية الموازية على استقبال العديد من رؤساء النيابات العامة ببعض الدول الإفريقية بالإضافة إلى حضورها لمجموعة من الندوات التي احتضنتها القارة الإفريقية والتي كانت مناسبة لإبراز التجربة المغربية في مجال استقلال السلطة القضائية بشكل عام واستقلال النيابة العامة بشكل خاص، كما كانت مناسبة أيضا لإبراز المجهودات المبذولة من طرف المملكة في مجال مكافحة الجريمة واستعراض الممارسات الفضلى في هذا المجال والتي كانت محل استحسان من طرف العديد من الدول الإفريقية التي أعربت عن رغبتها في الاستفادة من التجربة المغربية في هذا الباب.

ويرى المسؤول القضائي، أن تعزيز علاقات تعاون جنوب جنوب في مجال العدالة لا يمكن أن يتحقق إلا بانخراط مختلف مكونات العدالة من قضاء ومحاماة وكل مساعدي القضاء في هذه العملية من أجل إذكاء التواصل مع نظرائهم بإفريقيا وتبادل الخبرات والتجارب بما يساهم في تعزيز مسار التكامل الإفريقي.  

ولفت إلى أن "مهنة المحاماة كغيرها من المهن القانونية والقضائية تواجه في عالم اليوم عدة تحديات، تطبعها مجموعة من المتغيرات التي يشهدها العالم بسبب الثورة التكنولوجية والرقمية المتسارعة التي غزت جل مناحي الحياة اليومية مما سيؤثر بصفة مباشرة على طرق وأساليب ممارسة المهنة جراء اكتساح الذكاء الاصطناعي لمجموعة من المجالات". 

ودعا إلى الاستعداد لمواجهة التحديات التي ستواجهها المهنة، في ظل انتشار التكنولوجيا الحديثة المتطورة، مما يتطلب ضرورة الإلمام بتقنيات الاتصال الحديثة وأساليب العمل العصرية، فالظرفية المعاصرة تفرض اليوم بالإضافة إلى ذلك كله، تأهيل المهنة بإدخال الثورة المعلوماتية في بنيتها، كي تمكنها من مواكبة المتغيرات الثقافية والاقتصادية، والاجتماعية، الوطنية والدولية، وتنامي دور التبادل الرقمي.