قضايا

أعادها لها الله سالمة

محمد البقالي
قبل  ربع قرنٍ تقريبا حلت طبيبة بمدينتنا. 
كانت شابة  حديثة عهد  بالتخرج تشي ملامحها بأثر نعمة غير محدثة . 
 فتحت عيادتها ولم تلبث الا زمنا يسيرا حتى أغلقتها، وغادرت المدينة على الأرجح بسبب قلة الزبائن، ليس لقلة المرضى في المدينة، فما أكثرهم، ولكن يبدو أنها  
 لم تحز ثقتهم. 
تعددت الأسباب لكن أحدها كان ظاهرا: كانت الطبيبة الشابة  تخرج كل مساء في جولة مع كلبها الصغير  من  فصيلة "شيواوا" في الشارع المكتظ بالمارة والباعة والمتجولين .
حتى صار  اسمها تندرا  "الطبيبة  مولات الكلب".  
ربما لم تعلم الطبيبة أنها في مدينة يستمتع  فيها الأطفال بقذف الكلاب بالحجارة، وربما لم تسمع ب"قتال الكلاب" الذي كان يجول ببندقيته يوجه رصاصها لكل كلب مشرد بأمر من البلدية حماية للسكان من داء الكلب.  
ولكن المؤكد أن الطبيبة لم تحسن قراءة الرموز  الاجتماعية المتداولة في المدينة التي تميز بين الكلب "البلدي" الذي يستعمل للحراسة ويقذفه الأطفال بالحجارة ويأكل مما تبقى من الموائد، وهذا يحظى بالقبول، وبين الكلب "الرومي" الذي يحيل في التمثلات الجماعية للسكان على انتماء طبقي واجتماعي مفارق لهم، يذكرهم بفقرهم وبمآسيهم وبأنها تنتمي الى عالم غير عالمهم.
فطبيبة تصحب كلبا تعامله كما تعامل طفلها ليست جديرة بالثقة وفق أعراف مدينة صغيرة قبل ربع قرن. 
ونتيجة ذلك، أعرض كثيرون عن عيادتها التي انتهت بالإغلاق. 
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع الضجة التي خلفها إعلان نائبة برلمانية عن جائزة لمن يساعد في العثور على كلبتها (التي هي بمثابة ابنتها حسب قولها).
 وكما حدث مع الطبيبة، تعرضت البرلمانية الى السحل اللفظي في الفضاء العام بسبب هذا الإعلان غير المألوف. وتنادت الجموع مدينة منددة بالست وبكلبها المحظوظ. 
———
دعك من الشعبوية!
بقليل من الهدوء يمكن أن نفهم أنه لا الطبيبة في مدينتي قبل 25 عاما ولا النائبة اليوم ارتكبتا  خطأ أو إساءة في حق أحد. 
الذين عاشوا تجربة تربية حيوان ما 🐈 كان أو 🐕 أو حتى 🐢 يدركون أن موته أو اختفاءه يشكل لحظة مؤلمة للأسرة وخاصة للأطفال. 
لكن، في السياسة وفي الفضاء العام الانطباع أقوى من الحقيقة! 
وهنا يبدو  أن "خطأ" الطبيبة والبرلمانية معا إنما هو  تواصلي بالأساس. فهما عن جهل على الأرجح أرسلتا رسائل يتم إدراجها مجتمعيا ضمن سجل التعالي الذي يتهم به السياسيون والأغنياء. 
وعندما يتزامن بحث الست عن  كلبها مع وضع اقتصادي صعب كهذا الذي يمر منه البلد ( والعالم) فإن كثيرين رأوا في بحث البرلمانية عن كلبتها "استفزازا" يقول لهم  "لسنا مثلكم، اذا كنتم انتم مشغولون بارتفاع الأسعار وكبس العيد فلدينا مشاكلنا أيضا، وأهمها مشكلة الكلب الضائع".
هذه محاولة للفهم وليست تبريرا. أما الرأي عندي فإن البرلمانية من حقها لا ومن واجبها  أن تبحث عن كلبتها  لكنها تحتاج ولا شك لمن يساعدها في أسس التواصل السياسي، أما شعب الفايسبوك فلا يمكن حرمانه من حقه في السخرية من سياسييه لكن دون السقوط في الشعبوية واختصار مشاكل البلد في "ست تبحث عن كلبتها". 
أعادها لها الله سالمة !