على باب الله

إنه ليس منصفا يا سيدي القاضي...

المصطفى كنيت

قرر " أخوكم" حرمان الصحافيين من نصف أجورهم، بعد أن تفضل، بالمساهمة بمواد التنظيف لتظهير الأسطح والجدران من الفيروس القاتل، ليس جودا، وإنما من أجل تسجيل اسمه في لائحة المتبرعين، لكنه، بالمقابل، قرر أن يقتص جيوب الصحافيين.

و حين اعتقد الجميع أن "أخوكم حط السلاح وبغا يرتاح"، في قطاع الإعلام، قبل أشهر فقط، إذا به، قبل أن يسخن بلاصتو، يشهر التزاما في وجه الصحافيين، مذعنا إياهم على الاستسلام للتوقيع عن التنازل.

وإذا كان البعض قد أقنع نفسه بالحكمة القائلة: " أش عند الميت ما يدير كًدام غسالو"، فإن البعض الآخر، اختار التعامل بمنطق المثل الشعبي: " كَال ليه: أبا فدننا فيه السبع، كًاله ليه: أوليدي اش قالنا منو".

 ولا أقصد هنا بالسبع، العلامة التي تميز أحد أنواع الشاي، و التي قد يتقمص صورتها البعض من أجل افتراس حقوق الآخرين.

و حتى ولو ادعى، يا سيدي القاضي، أنه يريد أن ينظف الجيوب مما يسميه المغاربة: " وسخ الدنيا"، فإنها ( الجيوب) في حاجة لهذا "الوسخ"، في هذه الظروف القاسية، لتقوي مناعتها على مقاومة الأوبئة ( لي مقتلت تسمن)... التي تناسلت في هذه الأيام...

و قد تشابهت علينا الأوبئة، تماما كما تشابه البقر على بني إسرائيل، رغم أن المهام التي تم إحداث صندوق مواجهة الجائحة من اجلها واضحة، و منْ يتعامى على رؤيتها بعينه، يمكن أن يسمعها بأذنه، لكن عمت الأبصار وصُمّت الأسماع.

وهكذا رأينا أصحاب المدارس الخصوصية، إلا من رحم ربك ولان قلبه في هذه المحنة فتنازل عن "وسخ الدنيا" للأباء والأولياء، 'رأيناهم) يريدون تحصيل واجبات التدريس والنقل والأكل و دخول المرحاض، و ربما سيطالب، جلهم  غدا أو بعد غذ بفاتورة الأنترنيت التي استهلكها المدرسون، خلال حصص التعليم عن بعد...

ورأينا هيئة الطبيبات والأطباء يريدون "شي بركة" من صندوق "كورونا"، بعد أن أغلقوا عيادتهم، عوض أن ينزلوا إلى الساحة لمواجهة الوباء إلى جانب زملائهم في المستشفيات العمومية... وكأن الصندوق مائدة نزلت من السماء.

فهل يرضى أبيقراط أن يُدنس قسمه هؤلاء، الذين أراقوا على الوزر البيضاء الدماء...

تخوننا اللغة والألفاظ، يا سيدي القاضي، فقد قرر هؤلاء جميعا أن يشبعوا  المواطنين ظلما وحرمانا، حتى يصبحوا حالات إنسانية "فعلا لها يُرثي".

لقد خجلت، يا سيدي القاضي، من أولئك الذين لا يطلبون شيئا، يسهرون الليل إلى جانب المرضى، أو يستندون على المتاريس في الشوارع، كلما استبد بهم التعب، ومن أولئك الذين يصرخون ملأ أشداقهم: أدخلوا بيوتكم...

خجلت، ياسيدي القاضي، و أنا أرى أما تفارق أبناءها، وتبيت في المستشفى، وأبا جمع حاجياته وغادر منزله لمواجهة الوباء، ولا يعود إلى بيته خوفا من أن ينقل إلى أبنائه العدوى...