رأي

ادريس المغلشي: حرب الإغراءات

صدر مؤخرا في مجلة شالانج الناطقة بالفرنسية عدد فبراير موضوع ذا أهمية كبرى، يتطرق لإشكالية هجرة الأدمغة المغربية والتي اعتبرها جل المحللين هدرا لكل الطاقات التي لايستفيد منها الوطن، باعتبارها قدرات فكرية وتدبيرية نتاج وطني بامتياز الذي يتم استقطابه من دول أخرى، مافتئت تطارد كل مؤهلات الدول النامية دون أن تصرف عليها مليما واحدا في التكوين، هي عملية سرقة حثيثة تصر على استنزاف كل الثروات باغراءات من خلال إتاحة فرص تبدو منعدمة في الوطن الأم. 

الأمر المثير، أن أغلب العقول المهجرة تثوق الى الرجوع لبلدها وهي تعيش وضعية التردد بين الإصرار على البقاء هناك في الغربة وبين ضمانات توفر عيش كريم هنا، قريب من العائلة. لاشك أنها عملية صعبة تحتاج لقرار حاسم بعيدا عن الشعور بالمغامرة . 

كيف يمكن لشاب أن يصبح في وضعية شك وتيه وهو غير مطمئن للرجوع الى بلده الأول؟.. فعلا اشكالية تتنازعها وضعيتان متناقضتان بين تعزيز التواصل من خلال الصور الايجابية الضامنة لكل حقوق المواطنة وبين ماتوفره دول الغربة من امتيازات قلما نجدها هنا . الرهان يبدو صعبا، لكن ليس مستحيلا إذا توفرت الإرادة من أجل خلق بيئة حاضنة لكل الطاقات الوطنية التي نحن في أمس الحاجة اليها، عوض احتلال مواقع التدبير بدون كفاءة وغلق الأبواب أمامها مما يدفعهاغصبا للهجرة وبأرقام مخيفة تدق ناقوس الخطر وتوضح بالملموس أن هناك هدر فضيع للطاقات دون تدخل لايقاف النزيف ليس في مجال العلم فحسب بل الأمر تعداه لمجالات أخرى.

ومن المفارقات العجيبة في وطننا العزيز والتي ماكدنا نفرح باحتلالنا المرتبة الرابعة في نصف نهائي مونديال قطر، حتى انكشفت كثيرمن الحقائق الصادمة كون الفوز جاء عرضيا غير صادرعن عمل مؤسساتي، لأنه بكل بساطة لايعد افرازا طبيعيا لعمل داخل الوطن من خلال بطولة تسمى تجنيا احترافية رصدت لها ميزانية ويبدو انها بدون نتائج تذكر كباقي القطاعات الأخرى التي يطاردها النحس وسوء التدبير. وبما أن كرة القدم تستورد كفاءاتها ونجومها من الخارج دون أن تكون قادرة على خلق نواة من الداخل ولا أدل على ذلك الاخفاق الاخير بكأس افريقيا بالكوت ديفوار التي كشفت الحقيقة المرة دون أن نقدم الحساب .

يسود في الآونة الاخيرة خبر التواصل مع ابراهيم دياز لاعب ريال مدريد بما يشبه التفاوض لعله في الأخير يحسم اختياره للمغرب. صحيح أن اللاعب مغربي وقد عبر في كثير من اللحظات عن انتمائه ولايخفيه . لكننا ابتلينا ببعض المنظرين الذين جعلوا الجميع يعتقد أنه سيأتي بفتح جديد . ومن الاخطاء القاتلة التي تعري واقعنا التدبيري المأزوم أننا نسعى لاستقدام هذا اللاعب الموهبة بكل تألقه في صفوف ريال مدريد، وهو اسقاط بليد لأن نجوميته التي برزت بشكل ملفت في الآونة الأخيرة منحصرة تماما في بيئة خاصة تبدو منعدمة في المنتخب. ثانيا نرتكب نفس الخطأ الذي يرتكز على تغطية اخفاقاتنا الداخلية بتصديرها للخارج عوض الانكباب على ازمتنا بما تتطلبه من تشريح واقعي حقيقي يدفع في اتجاه التصحيح الفوري و الجريء والجذري لواقع متعفن لايخلو من فساد ومن ابرز ملامحه ماعرفته الساحة من اعتقالات لرؤساء اندية وما تشهده الساحة في مجال التحكيم .

أزمتنا في الأجهزة المسيرة، والحل بالداخل ولايوجد بالخارج، كل الاجراءات اعتبرها محاولة للبحث عن مسكنات فقط، فهي تساهم في تأجيل الحل، وتجعلنا نعيش في وهم معادلة ليست صحيحة وصريحة، بل مقلوبة ومعطوبة .