فن وإعلام

المجلس الوطني للصحافة: الفضيحة تطرح إشكالية لا تتعلق بالأفراد بل هيكلية ومؤسساتية

الطيب دكار ( صحفي وكاتب)

 

الفضيحة التي اندلعت داخل اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر في المغرب تطرح إشكالية لا تتعلق بالأفراد، بل هيكلية ومؤسساتية، تحمل بذور الفشل والإفلاس.

قضية المهداوي ليست سوى مظهر مؤسف لإفلاس المجلس الوطني للصحافة. فبعد عدة ولايات ، بلغ مجموعها ست سنوات ونصف، وتحت ذرائع مختلفة، لم يتمكن المجلس من تجديد هياكله.

مهنيو القطاع يعارضون اليوم بشدة  مشروع الإصلاح، الذي تجري مناقشته حاليًا بمجلس المستشارين، والذي وافق عليه البرلمانيون. يدعو هؤلاء إلى إلغاء القانون المحدث للمجلس بشكل كامل، وفتح حوار مع المهنيين لإنشاء هيكل جديد مستقل بتركيبة جديدة. المجلس  , في صيغه المتتالية،  وبحكم تجربته, أدى إلى الطريق المسدود.

هذا الفشل يتحمله المجلس والقطاع الوصي ، الذي لازال يصر ُ حتى اليوم على تعديل تشريعات كانت، منذ البداية، تحمل بذور الانهيار. لا يستوفي المجلس أيًا من معايير استقلاليته التي تتذرع بها السلطة الوصية أمام البرلمان. إن المجلس من صنع الحكومة، بموجب قانون صاغته الوزارة الوصية ، في سياق سياسي كان حزب العدالة والتنمية، الذي كان يعتقد أنه سيخلد في الحكم ، يعتزم عبر هذه الرؤيا ترسيخ سلطته ونفوذه على الصحافة من خلال مجلس وطني للصحافة مُموّل من ميزانية الدولة.

باستثناء الوزارة الوصية وأعضاء البرلمان والمستشارين، الذين قد تكون لديهم دوافع أخرى،والذين تنتهي عهدتهم بعد ستة أشهر, يبدو أن هناك إجماع في القطاع من أجل المطالبة بالتخلي عن مشروع الإصلاح وإلغاء قانون إنشاء المجلس الوطني للصحافة.

 

والأخطر من ذلك، أن الإصلاح الذي تجري مناقشته حاليا في البرلمان سهر على إعداده المجلس الوطني للصحافة المنتهية والذي، بدلاً من تشجيع تطوير قطاع الصحافة والنشر، عمل على وضع قيود من أجل انصياع القطاع وإدخال نظامين انتخابيين لخدمة مصالح طرف ضد الآخر - أي بمعنى آخر، لتعزيز مركز رأس المال على حساب الصحفيين وشركاتهم الصحفية الصغيرة. قد يعتبر بعضنا ذلك تمييزا بين الفرقاء !

 إن الهيكلة التي من شأنها أن تكون الأنسب لبلدنا والتي تستبعد تلقائيًا تضارب المصالح هي، في رأيي، تشجيع تأسيس مجلس وطني مستقل للصحافة والنشر، يتسع لعضوية ممثلين منتخبين أو معينين من قبل هيئاتهم المهنية (نقابة الصحفيين، الناشرون، الاتحادات المهنية، النقابات، جمعيات الصحفيين، صحفي وتقني الإذاعة والتلفزيون العامين والخاصين , مواقع الأخبار الإلكترونية، مدارس الصحافة، مدارس التدريب السمعي البصري، الأكاديميون المتخصصون في الاتصال، جمعيات القراء والجمعيات التي تدافع عن مصالح مشاهدي ومستمعي التلفزيون بأعداد متساوية)

ينبغي أن يتألف المجلس حصريا من مهنيي القطاع. فهيئات الصحفيين والناشرين بلغت من النضج والرشد ما يكفي لتسيير ذاتها بنفسها دون أي طرف آخر, خارج المهنة.

ستكون مهمتها، بطبيعة الحال، ضمان احترام أخلاقيات المهنة، وتعزيز حرية الصحافة، والتحكيم والوساطة في النزاعات بين المهنيين، وبينهم وبين الجمهور، وتدريب الصحفيين المحترفين، وتعزيز تطوير التشريعات التي تضمن حرية التعبير وتحمي الصحفيين، مع ضمان الالتزام الصارم بأخلاقيات المهنة.

لطالما كانت، وستظل، حماية حرية التعبير واحترام أخلاقيات المهنة, المهمة الأساسية والنبيلة لمجالس الصحافة في جميع أنحاء العالم، هذا ما يمنح هذه الهيكلة قوتها ونجاعتها.  وهذا، وحده ، الذي سيعزز صورة ومصداقية الصحفيين المغاربة على الصعيدين الوطني والدولي.