من الناحية التربوية، يعد القسم فضاءً آمناً للتعلم والحماية، ويُعتبر التلميذ، من الناحية القانونية، تحت مسؤولية المؤسسة منذ لحظة دخوله إليها حتى خروجه منها (كما نصت على ذلك المذكرات الوزارية وقرارات محكمة الاستئناف الإدارية) لذلك فإن إخراج المتعلم من الفصل يعد حرماناً له من حقه في التعليم الذي يكفله الدستور المغربي في فصله الحادي والثلاثين، ويضرب في الصميم مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين. كما أن هذا السلوك يولد لدى التلميذ شعوراً بالإهانة والنبذ، ويؤثر سلباً على علاقته بالمؤسسة التربوية، وقد يؤدي إلى الانقطاع أو حتى الانحراف. إن التربية لا تقوم على الطرد والإقصاء، بل على الحوار والتوجيه واستعمال الأساليب التربوية التي تهدف إلى الإصلاح لا الانتقام.
من الناحية القانونية، أصدرت وزارة التربية الوطنية عدة مذكرات تؤطر هذا الموضوع من أبرزها:
المذكرة الوزارية رقم 94 بتاريخ 24 يونيو 2009 التي تنص على وجوب اجتناب حرمان المتعلمين من الحصة الدراسية لأي سبب، خصوصاً بسبب عدم توفرهم على الأدوات المدرسية، وتدعو إلى البحث عن حلول تربوية مناسبة. كما نص القرار الوزاري رقم 065.18 الصادر بتاريخ 12 يوليوز 2018 على أنه يمنع إخراج التلاميذ من القسم إلا في الحالات القصوى، وبعد إشعار الإدارة وتحرير تقرير مفصل في الموضوع. وتؤكد هذه النصوص أن المدرس لا يملك حق الطرد المباشر للمتعلم، لأن هذا الإجراء يتجاوز صلاحياته التربوية.
إذا نحن نظرنا إلى الجانب القانوني المدني، فإن الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود المغربي ينص على أن المدرسين مسؤولون عن الأضرار التي قد تلحق بالأطفال أثناء وجودهم تحت رقابتهم، مما يعني أن أي ضرر يصيب التلميذ بعد إخراجه من القسم يمكن أن يُحمِّل المدرس أو المؤسسة التعليمية المسؤولية التقصيرية، باعتبار أن الإخراج يشكل إخلالاً بواجب الرقابة والحماية. وقد أكدت محكمة النقض المغربية هذا المبدأ في عدة قرارات، من بينها القرار رقم 373 الصادر بتاريخ 30 أبريل 1998، الذي اعتبر أن مسؤولية الأستاذ أو الإدارة قائمة متى ثبت الإهمال أو التقصير في مراقبة التلاميذ.
كما أن إخراج التلميذ من القسم قد يشكل خطأً مهنياً يعرض الأستاذ للمساءلة التأديبية ويعتبر هفوة مهنية خطيرة (الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية) - والنظام الأساسي الخاص المرسوم 2-24-140 الصادر بتاريخ 23 فبراير 2024 )، إذ يمكن أن يتعرض المدرس لعقوبات تأديبية تشمل: التنبيه أو الإنذار أو الخصم من الأجر، إذا تبين أنه خالف الواجبات المهنية أو ألحق ضرراً بسمعة المؤسسة. وفي الحالات القصوى، إذا تسبب الإخراج في إصابة جسدية أو وفاة للتلميذ أو التلميذة؛ فقد تتطور المسؤولية إلى جنائية، طبقاً للفصلين 432 و433 من القانون الجنائي المغربي اللذين يعاقبان على القتل أو الجرح الناتج عن عدم التبصر أو الإهمال.
لذلك؛ فإن إخراج التلميذ من القسم لا ينبغي أن يكون وسيلة للعقاب أو الانفعال، بل يجب أن يظل إجراءً استثنائياً لا يتم إلا في ظروف خاصة وبعد إشعار الإدارة. وعلى الأستاذ أن يلجأ إلى وسائل تربوية بديلة كالحوار مع التلميذ، أو الإنذار الشفهي، أو التواصل مع ولي أمر التلميذ أو إحالة الحالة على مجلس القسم إن استدعت الضرورة ذلك. لأن التربية الحقيقية تقوم على التواصل والتوجيه، لا على الإقصاء والعقاب البدني أو النفسي.
أمثلة توضيحية:
أولا العقوبات المدنية:
العقوبات المدنية لا تكون حبساً أو غرامة جزائية، بل هي تعويض مالي يُحكم به لفائدة الضحية أو وليّه، على أساس المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
الحالة الأولى1:
أخرج الأستاذ تلميذاً من القسم بسبب سلوك غير منضبط، فغادر هذا الأخير ساحة المؤسسة وتعرض لحادث سير.
النتيجة: يمكن لولي أمر التلميذ رفع دعوى ضد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة (باعتبارها إدارة مسؤولة عن موظفيها) للمطالبة بتعويض مالي عن الضرر.
الحكم المحتمل:
المحكمة قد تقضي بتعويض مالي لأسرة التلميذ عن الضرر الجسدي أو النفسي، استناداً إلى تقصير المدرس في الرقابة. أو قلة التبصر
الدولة تتحمل التعويض أولاً، ثم يحق لها الرجوع للأستاذ لاسترجاع المبلغ إذا ثبت لها إخلاله بواجبه المهني أو ارتكابه لفهوة خطيرة
الأساس القانوني: الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود.
نموذج 2:
وقع شجار بين تلميذين أثناء الحصة بعد أن تركهما الأستاذ وحدهما وخرج من القسم
النتيجة: أصيب أحد التلاميذ بجروح، فرفع وليّه دعوى تعويض ضد المؤسسة.
الحكم المحتمل:
المحكمة تعتبر أن ترك التلميذ دون مراقبة خطأ مهني يوجب المسؤولية المدنية.
التعويض يقدَّر حسب خطورة الإصابة، وقد يتراوح بين 10.000 و50.000 درهم حسب الضرر المثبت.
الأساس القانوني: الفصول 77 إلى 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود.
الحالة 3:
إخراج تلميذ من القسم أدى إلى إصابته بانهيار عصبي أو ضرر نفسي موثق بشهادة طبية.
النتيجة: المتضرر يرفع دعوى تعويض عن الضرر المعنوي.
الحكم المحتمل:
المحكمة تحكم بتعويض معنوي (بين 5.000 و20.000 درهم عادة) عن الأذى النفسي الناتج عن سلوك الأستاذ غير المبرر.
الأساس القانوني: الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود (الضرر المعنوي قابل للتعويض).
ثانياً: العقوبات الجنائية:
تتدخل المسؤولية الجنائية في الحالات الخطيرة، حين ينتج عن إخراج التلميذ أو الإهمال إصابة جسدية أو وفاة، أو إذا ثبت وجود عنف أو إهانة من طرف الأستاذ.
الحالة 1: القتل أو الجرح غير العمديين (بسبب الإهمال)
الأساس القانوني:
الفصل 432 من القانون الجنائي: يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات وبغرامة من 250 إلى 1.000 درهم، كل من تسبب بخطئه أو إهماله في قتل غير عمد.
الفصل 433 من القانون الجنائي: يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وبغرامة من 200 إلى 500 درهم، كل من تسبب بخطئه في جرح أو إصابة غير عمدية.
مثال تطبيقي:
أخرج الأستاذ تلميذاً من القسم، فصعد هذا الأخير إلى السطح وسقط منه.
تعتبر المحكمة أن إخراج التلميذ دون إشراف أو حماية إهمال جسيم، وبالتالي يُتابَع المدرّس بجنحة التسبب في جرح أو موت غير عمد.
الحالة 2 العنف ضد تلميذ:
الأساس القانوني:
الفصل 400 من القانون الجنائي: يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 200 إلى 500 درهم كل من ارتكب عنفا أو ضربا أدى إلى جروح.
إذا ارتكب العنف موظف أثناء تأدية مهامه، تُشدد العقوبة وفق الفصل 401 لتصل إلى الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
مثال تطبيقي:
قام أستاذ بدفع تلميذ بقوة لإخراجه من القسم، فسقط التلميذ وأصيب بكسر في ذراعه.
يعتبر الفعل عنفاً أثناء العمل، وتُرفع الدعوى الجنائية ضده، إضافة إلى مساءلته تأديبياً.
الحالة 3 الإهانة أو المعاملة المهينة:
الأساس القانوني:
الفصل 431 من القانون الجنائي: يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من تعمد إهانة شخص في حالة ضعف بسبب السن أو الحالة الاجتماعية.
مثال تطبيقي:
قام الأستاذ بطرد تلميذ أمام زملائه بطريقة مهينة، مع استعمال ألفاظ جارحة تتعلق بشكله أو وضعه الاجتماعي.
يمكن اعتبار الفعل إهانة قاصـر في مؤسسة تربوية، وهي جريمة تمس بالكرامة الإنسانية.
خلاصة القول، إن إخراج المتعلم من القسم يعتبر سلوكا مرفوضا تربوياً وقانونياً، لأنه يمس بحقوق المتعلم ويعرّض الأستاذ للمساءلة بجميع مستوياتها. فالمؤسسة التعليمية مسؤولة عن المتعلم طوال وجوده داخلها، والأستاذ مؤتمن على سلامته الجسدية والمعنوية. لذا يجب على الجميع التحلي بالحكمة وضبط النفس، والاحتكام إلى القانون والمذكرات التنظيمية في معالجة كل السلوكات غير المنضبطة، لأن المؤسسة التربوية ليست مكاناً للعقوبة والإقصاء، بل فضاءً للتربية والبناء والإصلاح.






