يظهر واقع الحال اليوم أن السياسة التي اتبعت في هيكلة الإعلام لم تفلح، وهذا أمر ملموس لأن تلك السياسة أفقدت المصداقية وهي رأسمال أي مقاولة إعلامية.
أخيرًا، اليوم رأيت وزير الاتصال بعد هذه الضعفة التي تعيشها الحكومة يخرج في حوار مع إعلامي ابن الميدان وينزل إلى الميدان كما تقتضي ذلك المهنية الإعلامية. ليس له رأسمال من 200 مليون، كل ما لديه حرفته.
جميل أن يكون الوزير قد "عاق" بأن المقاربة الإعلامية لا تعالج فقط برؤوس أموال، أو بباطرونا. هو مجال حساس جدًا له مقاربات متعددة، لكن أهمها عند الحرفيين وليس عند الوزارة هو حسن الإبداع في التعاطي مع القضايا. هكذا يقيم أهل الحرفة بعضهم بعضًا، وليس بالمقاربة المالية أو بمقاربة محاكم التفتيش التي تذهب لتفضيل المقرب إلى نهجي.
خلق هيئات سميها ما شئت دون تشاور موسع، يرى في الأجير الصحفي مجرد عبد للخبز عند أي باطون محظوظ. هذا هو أكبر خطأ ترتكبه المقاربة الحكومية. إننا هنا بصدد، كما أشرت، قطاع حساس جدًا، الجانب المعنوي فيه يشكل النسبة الأكبر والأهم في المنظومة الإعلامية عند الصحفي المحترف.
مدة ولايتك التي تريد أن ترسم بها خريطة مسارك السياسي، والتي تدفعك إلى إجراءات الكوكوت مينوت لا تعنينا في شيء، لكن لا يمكن أن نسمح بأن تكون وابلاً على كبريائنا المهني بضربة وزير عابر كغيره ممن عبروا.
لا يمكن إلا أن يكون للصحفي المهني كلمة في القوانين التي تمررونها بشأنه وبالهيئات التي تختارونها لتكون مخاطبًا لكم. من قال إن كل الصحافيين راضون عن جمعية ما أو هيئة ما لتتحدث باسمهم؟ للأسف وزارتك أبدت قصر نظر في محددات المنظومة الإعلامية.
فأهم عنصر يرتكز عليه الإعلام في الكون كله هو حرية التعبير، أكررها: حرية التعبير، أكررها: حرية التعبير. وبالطبع هناك قوانين ضابطة، لكنها ليست العنصر الأهم في المنظومة الإعلامية.
ارتكازًا على ذلك، لا يمكن أن تحدد وزارتك الباطرونا فقط كشريك أول. كل إعلامي يجب أن يكون شريكًا. إن ما تقدمونه كتبرير لإعطاء الحظوة للباطرون في التمثيليات هو الجوع، أي أن المقاولات ستقفل ولابد من ضمان مالي، وعليه فإننا، الباطرون، الذي ما قدرش يسد، لم يرغب فيه أحد ليدخل مجال الإعلام.
فما تبقاش تخوفونا بهذا الكلام الصبياني المبني على منطق الجوع، والتهديد بالتجويع حتى يتقبل الأجير كل التفاصيل البالية التي تريدون التأسيس بها لهيئات سيظلون تحت رهنها طيلة سنوات عملهم.
مقاربة قضي بللي كاين لتمرير ولايتي، أفصح وأفدح خطأ يرتكب في بعض المؤسسات، والكل يعلم ذلك.
لا يمكن اليوم أن نطلب من صحفي مهني أن يتوفر على 200 مليون لكي يدخل نادي الفرقاء الباطرونا أو من خريج من معهد يشق طريقه. نعجزه بهذا الشرط وليس له في الدنيا سوى هذه الحرفة التي تكالب عليها فضوليون كثر.
كما لا يمكن أن نعطي للباطرونا تمثيلية أكبر من الأجراء في مختلف المؤسسات المعنية بالإعلام.
نتمنى من أجل إعلام قوي يشرف هذا الوطن أن تبادر إلى مناظرات وطنية تسمع فيها كل الأصوات المعنية بالمجال.






