فن وإعلام

الإعلام المحلي والوعي الديمقراطي

المصطفى سكم

لا أدري لماذا وجدت نفسي أفكر في ضرورة التطرق لهذا الذي يصير من جراء الفهم المهيمن داخل وسائط التواصل الاجتماعي المحلية، خاصة باستحضاري لما كتبته كمراسلات٦ وتحقيقات حين كنت مراسلاً لجريدة أنوال وحاملاً للبطاقة الوطنية للصحافة المغربية، حيث كان الهاجس الرئيسي الحرص على مصداقية الخبر والنزاهة في تحريره، وإخضاع التحقيقات لمبدأ التركيز على أدوار الجماعات المحلية في سياسات الشأن المحلي، وتتبع مجالات تدخل السلطات ومدى تطابقها مع منطوق الدستور، وكذا مواكبة حركية المجتمع المدني. لم يكن الأمر يتعلق نهائيًا بالحياة الخاصة للأفراد أو الخلط بين الانطباع وما يقدم كمادة صحافية.

إن السؤال الذي يؤرقني حقًا هو: إلى أي حد تساهم هذه الخرجات الإعلامية في تشكيل وبلورة الوعي الديمقراطي المأمول من أجل مجلس جماعي قادر على إحداث التنمية المجالية المستجيبة لحقوق الإنسان العرائشي؟ ليس الغرض من هذا المقال إصدار أحكام قيمة أو تقيمية بقدر ما يحكمه انهمام حاد بدور الإعلام المحلي في بلورة وعي انتخابي نزيه، وما الذي يمكن فعله لتجاوز منطق الإثارة نحو منطق التمكين الديمقراطي للاختيار الواعي؟ 

ففي زمن تتسارع فيه الصور أكثر من الأفكار، وتُختزل فيه السياسة في تعليقات عابرة وحياة خاصة، يصبح الإعلام الرقمي فاعلًا مركزيًا في تشكيل الوعي السياسي، لا بوصفه ناقلًا للمعلومة فحسب، بل كصانع للرأي العام وموجّه للانتباه الجماعي. غير أن هذا الدور، حين يُمارس خارج أفق أخلاقي نقدي، يُسهم في إنتاج ما وصفه محمد الحبيب طالب بـ"الوعي المتأخر"، ذلك الوعي الذي لا يُسائل السياسات العمومية ولا يُراقب المؤسسات، بل يُلاحق الأفراد ويُلهى عن جوهر الفعل السياسي ويحجب الرؤية عن مسؤولية الدولة في الأزمات المجتمعية المركبة. إن المجالس الجماعية التي تُفرزها صناديق الاقتراع في ظل هذا الوعي، لا تُعبر عن إرادة سياسية واعية، بل عن انفعالات ظرفية، أو ولاءات شخصية، أو تصويت عقابي لا يُميز بين الفعل السياسي والموقف الأخلاقي. وهذا ما يجعل الإعلام، حين يُغيب السياق ويُضخم الحدث، شريكًا في إنتاج وعي زائف، يُحول السياسة إلى فرجة، والموقف إلى انفعال، والمواطن إلى متفرج.

في كتاباته حول الإعلام وصناعة القيم، يُحذر عبد الله بلقزيز من هذا الانزلاق، مؤكدًا أن الإعلام لا يُشكل الرأي العام فقط، بل يُعيد تشكيل القيم ذاتها، حين يُحول السياسة إلى مشهد شخصي، ويُفرغ البراغماتية من معناها العقلاني، ويُعيد إنتاج خطاب سياسي قائم على الانطباع لا على الموقف، على الصورة لا على الفعل. وهكذا، تُصبح الدولة خلف الستار، وتُغيب المؤسسات الوصية على السياسات العمومية، ويُصبح الإعلام شريكًا في إخفاء من يجب أن يُحاسب.

 ملاحظات استقرائية من بعض الكتابات 

ما نُشر مؤخرًا من بعض مقالات محلية، وإن حمل طابعًا نقديًا مشروعًا، يكشف عن انزياح متكرر نحو الشخصنة، وتغليب الانطباع على التحليل، والتهكم على التوثيق. فبدل مساءلة السياسات العمومية، يُركّز الخطاب على الصفات الشخصية، ويُستعمل الإعلام كمنصة للتصفية الرمزية، لا كأداة للمساءلة٦ الديمقراطية. هذا النمط من الكتابة، رغم صدقه العاطفي، يُضعف النزاهة الفكرية، ويُفرغ الإعلام من دوره التنويري، ويُحوّل النقاش السياسي إلى مشهد تراشقي، لا إلى ممارسة يومية قائمة على الفهم والمساءلة.

 مسؤولية المجلس الجماعي أولا: 


 من التسيير إلى التأسيس


في سياق مدينة العرائش، التي تستعد لأن تكون جزءًا من الحلم المغربي الكبير باحتضان مونديال 2030، يصبح تشكيل مجلس جماعي منتخب مسؤولًا عن التنمية المحلية الشاملة، ضرورة وطنية لا مجرد استحقاق انتخابي. وهذا التحدي لا يمكن مواجهته إلا بوعي ديمقراطي حقيقي، يُعيد الاعتبار للمؤسسة، للموقف، وللسياسة كفعل عمومي لا كخرجات واستعراضات٧ فردية وللبرامج كمشاريع ورافعات حقيقية لتنمية مستدامة بدءا من تنمية مداخيل الجماعة إلى التأطير التكويني وتوفير الموارد البشرية ٧

ولذلك، فإن مسؤولية المجلس الجماعي لا تقتصر على التسيير الإداري، بل تشمل أيضًا خلق تواصل حقيقي مع الإعلام والمجتمعع المدني، يُعيد الاعتبار للمصلحة الفضلى للمدينة، ويُؤسس لجسور تلاقي حول قضايا التنمية، والعدالة المجالية، والمشاركة المواطنة. هذا التواصل لا ينبغي أن يكون انتقائيًا أو دعائيًا، بل قائمًا على الشراكة، التتبع، المواكبة، والنقد البناء

مقترحات عملية للمجلس الجماعي

⦁ 1 إحداث منصة رقمية رسمية فعلية تنشر فيها القرارات، المشاريع، والمداولات بشكل دوري وشفاف ومنفتحة على المواطنين .

⦁ 2 تنظيم منتديات دورية تجمع المنتخبين، الإعلاميين، والمجتمع المدني لمناقشة قضايا المدينة بشفافية.

⦁ 3 إشراك الإعلام المحلي في التغطية الميدانية للمشاريع التنموية، عبر دعوات مفتوحة لحضور الورشات والزيارات التفقدية ومدها بكافة المعلومات الضرورية 

⦁ 4 تخصيص ميزانية سنوية لدعم الإعلام الجاد والمبادرات التوعوية، بشروط تعاقدية مهنية واضحة.

⦁ 5 إصدار تقارير تقييم نصف سنوية حول أداء المجلس، تُعرض٧ على العموم وتُفتح للنقاش.


 الإعلام المحلي وصفحات التواصل: من الانفعال إلى الفعل


من نافلة القول أن الإعلام المحلي، وخصوصًا الجرائد الإلكترونية كما الصفحات "الإعلامية" داخل فضاء الوسائط الاجتماعية، تتحمل مسؤولية مضاعفة في هذه المرحلة. فبين التوثيق والتحريض، وبين٧ النقد والتشهير، هناك خيط رفيع لا يُرى إلا بمنظار أخلاقي ومهني صارم.

 

 مقترحات عملية للإعلام المحلي وصفحات التواصل:


1- اعتماد ميثاق أخلاقي داخلي يحدد ضوابط النشر، ويُميز بين الرأي والخبر، وبين التوثيق والانطباع.

2- إطلاق سلسلة توعوية مصورة حول مفاهيم الديمقراطية المحلية،ت أدوار المؤسسات، وآليات التتبع والمساءلة.

3- إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة توثق قرارات المجلس، أسماء المنتخبين، المشاريع، والميزانيات،ع بطريقة مبسطة.

4- تنظيم حملات رقمية مشتركة مع المجتمع المدني حول قضايا محورية (البيئة، النقل، التعمير، الثقافة).

5- تدريب المشرفين على الصفحات في تقنيات التحقق من المعلومات، وإنجاز التحقيقات وخصائص الكتابة الصحفية بما يسهم في تفادي السقوط في الإثارة أو الشخصنة 


 نحو إعلام أخلاقي لا أخلاقوي


إن تشكيل وعي ديمقراطي انتخابي لا يُبنى بالانفعال، بل بالمراكمة الواعية القصدية، ولا يتحقق بصورالإثارة الرقمية أو البلاغية، بل بالمواقف المؤسسة على التحليل والنقد البناء والمرافعات الحجاجية البرهانية الأخلاقية و البراغماتية، وهي هنا ليست انتهازية، بل عقلانية نقدية، تُعيد ربط الفعل السياسي بنتائجه، لا بشخص قائله. 

وعليه فإذا ان المثل الصيني يقول "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة"، فإن الخطوة الأولى هي مساءلة الذات قبل الآخر،وعلى كل طرف في المعادلة أن يقوم بالخطوة الأولى دون انتظار الآخر حينها يرتقي الفعل إلى غايته الفضلى : وعي ديمقراطي مطابق قادر على التغيير الفعلي

هذا دون تجاهل أدوار السلطات المحلية وكيفية تنزيلها للسياسات العمومية وعلاقتها بدواليب المجلس الجماعي الذي لا يعفيها من مسؤولياتها الجسيمة في ما ينبغي أن تقوم به نهوضا بالإقليم ككل في علاقتها بباقي المجالس الأخرى الإقليمية والجهوية ، وتلك قضايا وإشكاليات أخرى.  

فهل نملك الشجاعة لنخطو تلك الخطوة، إعلامًا ومجلسًا ومجتمعًا، نحو وعي ديمقراطي حداتي وعقلاني، من أجل ديمقراطية محلية حقيقية تُشبه أحلامنا، وتاريخ العرائش و

تناسب طموحات مونديال 2030؟