أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا مثيرًا يقضي بتأييد عدد من التعديلات التي طالت النظام الداخلي لمجلس النواب، من شأنها إعادة رسم حدود الممارسة البرلمانية بين التنظيم والانضباط من جهة، وضمان حرية التعبير والرقابة من جهة أخرى، مع نزعة واضحة نحو ترسيخ سلوك برلماني مؤسساتي منظم.
ومن أبرز التعديلات التي أيدها القرار المرقم تحت 256/25م.د، منع رفع اللافتات والاحتجاجات والاعتصامات داخل المجلس، وكذلك عدم إلزام الحكومة بحضور اجتماعات اللجان البرلمانية عند مناقشة مقترحات القوانين.
وفي تعليلها، أوضحت المحكمة أن منع اللافتات والاحتجاجات لا يُعد تضييقًا على حرية التعبير، بل يدخل في إطار تنظيمها، بما يضمن حسن سير الجلسات واللجان البرلمانية. واعتبرت أن التعبير الشفوي أو الكتابي كافٍ لتأدية المهام البرلمانية، مشددة على أن البرلمان مؤسسة تشريعية ورقابية تتطلب الانضباط والالتزام بقواعد العمل الداخلي، بعيدًا عن مظاهر الفوضى أو التصعيد الرمزي.
الحكومة غير ملزمة بالحضور
ومن بين النقاط اللافتة في القرار، تأكيد المحكمة أن غياب الحكومة عن اجتماعات اللجان لا يُبطل المسطرة التشريعية، معتبرة أن حضورها ليس شرطًا جوهريًا ما لم يُثبت أن غيابها حال دون إبداء رأيها. وهو ما قد يُفهم على أنه تعزيز لاستقلالية البرلمان في التشريع، مع ترك هامش مرونة للحكومة في الحضور أو الغياب.
القرار أقر أيضًا بشرعية استمرار الجلسات البرلمانية حتى في حال انسحاب أحد مكونات المجلس، سواء من الأغلبية أو المعارضة، شريطة أن يكون الانسحاب مبررًا ومؤقتًا، ويهدف للتعبير عن موقف سياسي دون أن يعرقل العمل البرلماني.
وبخصوص عمل اللجان الموضوعاتية ومجموعة الأخلاقيات، اعتبرت المحكمة أن التعديلات المعتمدة لا تتنافى مع الدستور طالما أن المقترحات تظل غير نهائية وتُعرض على مكتب المجلس. كما شددت على أهمية تمثيل المعارضة في مناصب المسؤولية داخل هذه اللجان، حفاظًا على التوازن السياسي وتفعيلًا لأحكام الفصل 10 من الدستور.
ورفضت المحكمة منح النواب حق تعديل مشاريع القوانين المرتبطة بالمراسيم بقانون دون التقيد بالمسطرة الدستورية الخاصة بذلك، كما رفضت اشتراط الموافقة الكتابية للنائب قبل نشر أجوبة الحكومة على أسئلته الكتابية، مؤكدة أن هذا القيد يمنح النواب سلطة غير مبررة على معلومات لا تخصهم وحدهم، مما يُخالف مبدأ الشفافية الدستوري.
كما أقرت المحكمة بجواز تذكير رئيس الجلسة بأي تعديل يطرأ على ترتيب القطاعات الحكومية خلال جلسات الأسئلة، ورأت في حذف شرط أجل 24 ساعة لتأجيل السؤال إجراءً يمنح مرونة أكبر للنائب في الحفاظ على طابع السؤال الشفهي.






