مجتمع وحوداث

هل مدينة السعيدية والسياحة بالمغرب مستهدفة ؟

سليمة فراجي

يحب ان ننتصر للنقد البناء لا العدمي

في عالم تتحكم فيه الصورة و”الترند” و”الهاشتاغ”، لم تعد الحملات الرقمية تمرّ مرور الكرام، بل أصبحت جزءًا من معركة كبرى عنوانها السمعة والمصداقية، وميادينها هي الفضاءات الرقمية، وأسلحتها الإشاعة والصورة المبتورة والتعليق الساخر. وفي خضم هذا المشهد، برزت في الآونة الأخيرة حملة إلكترونية غريبة تستهدف مدينة السعيدية، أحد أبرز المتنفسات الصيفية بشمال المغرب.


باسم حرية التعبير أخذت هذه الحملة طابعًا منظّمًا، إذ لم تكتفِ بتوجيه انتقادات معقولة لبعض الجوانب التي قد تحتاج إلى تحسين، بل تجاوزت ذلك إلى السخرية والتشويه وتعميم صور توحي بأن المدينة فارغة، مهملة، وسرعان ما تحوّل النقاش من تقييم خدمات سياحية إلى حملة تستهدف بشكل غير مباشر المساس بصورة جهة تحتضن أبناءها وزوارها 


ولأنني ممن يعرفون السعيدية، ويقصدونها باستمرار، فقد قررت ألا أكتفي بالملاحظة الصامتة. قمت بزيارة ميدانية، تحقّقت من الأسعار، من النظافة، من جهود القائمين على الشأن المحلي ، من كثافة الزوار في الفنادق والشواطئ. وجدت مدينة كسائر المدن تحتاج إلى المزيد من المجهودات لكنها ليست بالشكل المروج له ، وجدت شاطئًا جميلاً، إقبالًا محترمًا، أسعارًا متفاوتة لكنها غير خيالية. ونشرت صورًا تنقل هذا الواقع بكل صدق.

لكن كلما نشرت صورا او ملاحظات الا و تعرضت لحملة هجومية، بعضها يتضمن إهانات فقط لأنني نشرت الحقيقة. وكأن البعض لا يريد أن تُكسر سرديته السوداوية. وهنا أدركت أن المسألة تتجاوز السعيدية. فالمقصود ليس فقط هذه المدينة، بل هو الإضرار بالسياحة الداخلية، والتأثير على خيارات مغاربة العالم الذين يتابعون ما يُنشر على مواقع التواصل.


ما يحصل هو محاولة لإقناع مغاربة المهجر بأن المغرب لا يستحق عناء السفر، ولا يشكّل وجهةً مريحة ولا جميلة، وأن الوجهات الأجنبية “أفضل”. وهي محاولة خطيرة، لأنها تمسّ في العمق الرابط العاطفي والرمزي بين الوطن وأبنائه المقيمين بالخارج.

مواطنونا في المهجر ليسوا سياحًا عابرين، بل هم شركاء في البناء، واستثماراتهم وتحويلاتهم ومساهماتهم في التنمية خير دليل. واستهدافهم نفسيًا بهذه الحملات يعني استهداف الوطن. لذلك، يجب أن نتحلى جميعًا باليقظة، وأن نردّ بالمعطيات، لا بالتجاهل، وبالحجج، لا بالصمت، وبالصور الحقيقية، لا بالتضليل.


النقد يجب ان يكون بناء لا عدميا و نحن لا ننكر وجود اختلالات، ولا نطلب من الناس أن يُجمّلوا الواقع. بل نريد نقاشًا وطنيًا صادقًا يميّز بين النقد المسؤول والحملات المغرضة. نريد أن نُصلح ما يمكن إصلاحه، لا أن نحرق كل شيء بلغة سوداوية لا تنفع، بل تضرّ.


إن ما يقع للسعيدية قد يتكرر مع مدن أخرى، ومع قطاعات حيوية كالسياحة، والاستثمار، والصحة. فالهشاشة الرقمية تجعلنا عرضة للتضليل السريع. لذا، فإن الرهان الحقيقي اليوم هو بناء وعي جماعي رقمي، يجعل من كل مواطن مدافعًا عن الحقيقة، لا مروجًا لليأس.


ولأجل هذا، فإن زيارة أقاربنا وأحبابنا ومواطنينا للمغرب ليست فقط عطلة، بل فعل حبّ وانتماء، وإصرار على إبقاء الجذور حيّة. لا ندع صورة مزيفة تزرع الشكّ في قلوبنا هنا نشتغل، نُصلح، ننتقد، نُحب، ونبني هذا الوطن بكم ومعكم.