عبر المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية عن رفضه التام لمنطق التمييز الذي تنهجه الصيغة الحالية لمشروعي القانونين رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، و027.25 المتعلق بتعديل وتثمين القانون 89.13 الخاص بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، معتبراً أن هذه المقاربة تكرّس الإقصاء المؤسساتي للصحافيين وتضرب في العمق مبادئ التنظيم الذاتي والتمثيلية الديمقراطية التي كرسها الدستور والمرجعيات الدولية.
وجاء هذا الموقف خلال الاجتماع الدوري الذي عقده المكتب التنفيذي عشية الخميس 10 يوليوز 2025، بمقره المركزي بالرباط، حيث جرى التداول في مستجدات مشروعَي القانونين المذكورين، واستحضار سياق إعدادهما، في ظل غياب مقاربة تشاركية حقيقية مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية، باعتبارها الإطار الأكثر تمثيلية في القطاع.
وفي مستهل الاجتماع، استعرض المكتب التنفيذي تفاصيل المسار الذي انخرطت فيه النقابة، منذ بداية ولايتها الحالية في يناير 2024، تنفيذًا لخطتها الاستراتيجية، حيث أطلقت برنامجًا وطنيًا من 18 ندوة جهوية ودولية ووطنية ومحلية، إلى جانب لقاءات مفتوحة مع الصحافيين ومنصات لجمع مقترحاتهم، انتهت بإعداد مذكرة تفصيلية تم تسليمها للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر. وقد تمت هذه العملية وفق منهجية تشاركية مسؤولة، ترجمت انخراط النقابة الجاد في المساهمة في إصلاح الإطار القانوني المنظم للمهنة.
وأكد المكتب التنفيذي أن تغييب النقابة من المسار التشريعي يشكل نكوصاً مؤسساتياً، خاصة وأن الوزير الوصي على القطاع سبق أن أكد، خلال اجتماع رسمي بتاريخ 13 مارس 2024، أن دور اللجنة المؤقتة يقتصر على التشخيص، وأن أي تعديل للقوانين سيتم من خلال التشاور مع النقابة. إلا أن إحالة المشروعين مباشرة على الأمانة العامة للحكومة، ثم على لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، دون العودة إلى الفاعلين النقابيين، يضعف مشروعية النصوص ويقوض مصداقية الحوار المؤسساتي.
وشدد البلاغ على أن المجلس الوطني للصحافة لم يكن وليد قرار إداري أو ظرفي، بل هو ثمرة نضال نقابي ممتد منذ التسعينيات، سعت من خلاله النقابة إلى كبح الفوضى الإعلامية وتكريس قيم أخلاقيات المهنة، عبر تنظيم ندوات كبرى بمشاركة خبراء دوليين، وصولاً إلى تأسيس المجلس سنة 2018، رغم الملاحظات التي سجلت على شكله آنذاك.
وأكدت النقابة أنها كانت دائمًا حاضرة كفاعل مركزي في مسار التنظيم الذاتي، من موقع التمثيلية والنضال المسؤول.
وإذ يسجل المكتب التنفيذي أن المشروع الحالي يتجاهل مبدأ الإنصاف، من خلال التركيز على تعريف الناشرين في الديباجة وتغييب الصحافيين، فإنه يعتبر ذلك انحرافًا خطيرًا عن المبادئ الدستورية التي تفرض الشراكة مع التنظيمات النقابية في كل ما يتعلق بتنظيم المهنة. كما أبدت النقابة امتعاضها من إسقاط عدد من المقترحات الجوهرية التي تضمنتها مذكرتها، وعلى رأسها توسيع تمثيلية الصحافيين داخل المجلس الوطني، مقابل تعزيز حضور الناشرين وتجميد مقاعد الصحافيين، وهو ما يتناقض مع منطق الديمقراطية المهنية وروح التنظيم الذاتي.
واعتبر المكتب التنفيذي أن اعتماد نمط الاقتراع الاسمي الفردي داخل فئة الصحافيين يمثل تراجعًا واضحًا عن مكتسبات التجربة السابقة التي كرّست اللائحة المهنية كآلية لفرز تمثيلية حقيقية، مشيراً إلى أن هذا النمط يعكس تصورًا اختزاليًا للعمل النقابي، ويعزز الفردانية الهشة على حساب التمثيلية الجماعية، ما يؤدي إلى إقصاء فئات مهنية واسعة، خصوصًا في الإعلام السمعي البصري، والصحافة الجهوية، والمستقلين.
أما بالنسبة لمشروع تعديل القانون الأساسي للصحافيين المهنيين، فقد أكد المكتب التنفيذي أن عددًا من مقتضياته، وخصوصًا تلك المرتبطة باللجان التأديبية ولجان الإشراف، وكذا قائمة الصحافيين وشروط القيد، تحتاج إلى مراجعة شاملة.
وفي هذا السياق، أعلنت النقابة عن إعداد مذكرة ترافعية ستُوجه إلى الوزير المعني وكافة الفرق البرلمانية، في إطار مسعى إصلاحي تشاركي يهدف إلى تعزيز حماية المهنة والمهنيين، وتقوية الضمانات القانونية والتنظيمية الكفيلة بحمايتهم.
وفي ختام الاجتماع، أعلن المكتب التنفيذي عن إطلاق مسار تعبئة وتنظيم ميداني ومؤسساتي، يشمل إعداد مذكرة تفصيلية جديدة تتضمن المقترحات والتعديلات الضرورية، وتشكيل لجان خاصة لمباشرة الحوار مع المؤسسات الدستورية المعنية، وفي مقدمتها البرلمان بغرفتيه، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى مختلف الفاعلين الحقوقيين والمدنيين والديمقراطيين.
كما تقرر تنظيم ندوة صحفية وطنية موسعة لعرض تصور النقابة وموقفها من المشروعين، وإطلاع الرأي العام المهني والوطني على تفاصيل المرحلة المقبلة، إلى جانب خطوات إضافية سيتم الإعلان عنها في حينه ضمن بلاغات رسمية خاصة.
وتماشياً مع تطور الأوضاع، تقرر كذلك دعوة المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة للانعقاد في غضون الأسابيع المقبلة، بهدف التقييم الجماعي للمستجدات واتخاذ القرارات النضالية والتنظيمية المناسبة.
وختاماً، جددت النقابة الوطنية للصحافة المغربية تأكيدها التزامها الثابت بالدفاع عن استقلالية المهنة وكرامة الصحافيين، معربة عن ثقتها الكاملة في ممثلي الأمة بمجلسي النواب والمستشارين، وقدرتهم على تصحيح هذا المسار التشريعي، بما يخدم الإعلام الوطني ويكرس موقعه كدعامة أساسية للديمقراطية وخدمة الصالح العام المغربي.






