تعتبر مشاركة وزير الاتصال المغربي السابق، محمد الأعرج، الذي أسس رسميًا المجلس الوطني للصحافة ، في النقاش الدائر حاليًا حول الإصلاح المُزمع للمجلس الوطني للصحافة، مؤشرًا صحيا يبعث على الارتياح.
كنتُ امل في الواقع أن يدلي برأيه حول ما إذا كان القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة دستوريا وهل يتوافق مع المادة 28 من الدستور، لا سيما نصه: "تُشجّع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة بصفة مستقلة وعلى أسس ديمقراطية (...)". و ما دام الوزير السابق هو من طبّق هذا القانون، أفترض أنه لم تكن له تحفظات قانونية على دستوريته، مع أن السلطات العمومية تدخلت بشكل كبير في وضع هذا التشريع، وتصور هيكلة المجلس ، وطرق انتخابه، وتكوينه، في حين أن القانون أوصى صراحةً بأن تُشجّع السلطات العمومية على "التنظيم" (تشجع وليس تنظم بنفسها)، مع مراعاة الحياد إلى حدٍّ ما.
في مساهمته في النقاش، المنشورة إلكترونيًا على موقع صحيفة الأيام الأسبوعية، أشار الوزير السابق إلى المادة 28 من دستور 2011، متسائلًا عما إذا كانت السلطات العمومية ، من خلال مشاريع القوانين الجديدة، تبتعد عن الدستور. ألم تبتعد السلطات العمومية عن المادة 28 من الدستور في سنة 2016، عند إنشاء المجلس الوطني للصحافة ؟ هل عملت السلطات العمومية صراحةً على إحداث هيكل مستقل ! وعلى أسس ديمقراطية.
تدخلت السلطات العمومية في صياغة القانون، بدءًا من تصور هيكل المجلس الوطني للصحافة، وتشكيلته، وانتخابه، وسير عمله. فهل كان هذا التدخل الشامل متوافقًا مع توصيات المشرع، الذي يحصر دور السلطات في التوجيه والإرشاد ، لضمان تنظيم القطاع "بشكل مستقل" ؟ كما أقرت السلطات العمومية أن يتقاضى أعضاؤه رواتب من الدولة، الشيء الذي يضفي عليهم صبغة موظفين حكوميين ، لدى مجلس يمكن وصفه بجميع النعوت ما عدا الاستقلالية.
ما زلت مقتنعًا بأن واضعي دستور 2011 الليبرالي لم يتصوروا، في أذهانهم، من خلال المادة 28، إنشاء هيئة رسمية أو شبه رسمية لتنظيم قطاع الصحافة.
وبناءً على ذلك، إذا سلمنا بأن المجلس الوطني للصحافة، كما تم تصوره وإنشاؤه، غير دستوري، فإن النقاش حول القوانين الجديدة سيكون بدون معنى، لأن اللعبة قد غير سليمة منذ البداية بسبب التدخل الحكومي الكبير في تنظيم قطاع الصحافة.
يأتي هذا النقاش في سياق حكم استئنافي على صحفي بالسجن لمدة عام ونصف وتعويض عن الضرر بمبلغ مليون وخمسمائة ألف درهم لفائدة وزير العدل. وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع الصحفي المهداوي، فإن الحكم عليه بتهمة التشهير والقذف يبقى سابقة في تاريخ الصحافة المغربية ؟
بالتأكيد، سبق أن حُوكم صحفيون أخرون بدفع تعويضات مرتفعة بقيمة 3 ملايين درهم. شخصيًا، أجد هذا التعويض مُبالغًا وضخما ، بينما تنحصر العقوبات بسبب التشهير والقذف في دول أخرى في غرامة رمزية قدرها فرنك واحد.
في ظل هذا الواقع المُؤسف ، يثير الجدل حول إصلاح المجلس الوطني للصحافة تساؤلات أعمق بكثير حول دوره وفعاليته، تتجاوز مجرد إصدار بطاقات الصحافة.
*صحفي وكاتب






