هذا الأسبوع، شاهدت واستمعت إلى حوارات مع Alain Duhamel، أحد أشهر الصحفيين السياسيين في فرنسا، والذي أعلن اعتزاله بعد ستين سنة من العمل الصحفي، حاور فيها تقريباً كل رؤساء الجمهورية الخامسة وأكثر من 15 وزيراً أولاً ومئات من السياسيين، كما أظن أنه حاور مرتين الملك الحسن الثاني. رغم سنه الذي يتجاوز 85 سنة، فسيستمر في الكتابة الصحفية والمشاركة في بعض البرامج.
في دول عديدة، حيث مجال الحرية فيها كبير والحد الأدنى من الظروف المهنية المواتية موجود، تُعتبر الصحافة حرفة ومتعة لا تفارق من يدخل غمارها، حتى يقضي العمر وصحة البدن بأحكامهما، ويُعرف الشخص بأنه صحفي وإعلامي حتى الرحيل. إلا في المغرب حالياً. لا أعرف صحفياً أو صحفية، إلا ويقول وهو يتنهد: “الله يعفو علينا من هاد الخدمة!”، ليس لأن المهنة سيئة في حد ذاتها، بل لأن ظروف ممارستها تسير من سيء إلى أسوأ. حتى طلبة معاهد الصحافة، لا يودون الاشتغال بها. عندما أسأل من أدرّسهم في كليات ومعاهد الإعلام عن القطاعات التي يودون الاشتغال بها بعد تخرجهم، يكون الجواب عند الأغلبية العظمى بينهم: “La communication”.
هذا التأفف من الصحافة بل وحتى الكراهية لها صار شائعاً عند الجميع وفي جميع القطاعات. عندما تتكلم مع مسؤولين في الدولة أو في قطاع الخاص، الكل يعيد ويكرر: “votre secteur est particulièrement pourri”، وهي الجملة ذاتها التي يرددها حتى المشتغلون بالقطاع نفسه. وصلنا فعلا إلى مرحلة صعبة جدا في حياة الإعلام بالمغرب، وجو سيء من الامتعاض وسوء النية وعدم الاحترام اتجاه الصحفيين ، بل واستبطن هؤلاء أنفسهم هذا الجو وأصبح مؤثرا عليهم. جزء كبير من الصحفيين المتمرسين والمهنيين الذين اشتغلت معهم منذ سنوات، والذين من المفترض أن يكونوا حاليا إعلاميين كباراً، غادروا الصحافة بغير رجعة وانصرفوا إلى مجالات، ليست بالضرورة أكثر ربحاً، لكن لأن الصحافة حالياً لا تغري أحداً للاستمرار بالعمل فيها.
هناك عدد قليل ما زال يشتغل بحرفية وبشغف، ولا ينوي مغادرة المهنة، وهم ينتمون إلى منابر وقطاعات مختلفة وأحياناً متنافرة، لكن المناخ العام للصحافة صار منفراً لكي لا أقول متعفناً! والمنحى الحالي للنقاش حول التنظيم الذاتي للصحافة سيزيد الأمور تعقيداً في “مهنة المتاعب” سابقاً والتي أصبحت “مهنة المثالب” في زمننا هذا.






