رياضة

هل يتحمل أحيزون وحده المسؤولية في ما وصلت إليه ألعاب القوى؟

يونس الخراشي ( صحفي)

رأي خاص..

___

إنه لمن حسن حظي الكبير أنني قلت رأيي في تبوء السيد عبدالسلام أحيزون لرئاسة جامعة ألعاب القوى من البداية، في سنة 2006. ففي تلك الأثناء، كتبت الكثير عن مستقبل غامض، وفشل، آت، ومؤلم، لا قدر الله.

ويمكن للرجل نفسه أن يشهد بذلك، إذ دارت بيننا حوارات عديدة، بهذا الخصوص، سواء عبر الهاتف، أو مباشرة، أو من خلال اصدقاء مشتركين، يعملون كلهم في مجال ألعاب القوى المغربية، أو في التواصل، أو في الماركوتينغ، وغيره.

قلت إن الرجل لن يستطيع النجاح في تدبير شؤون ألعاب القوى مثلما نجح في تدبير شركة الاتصالات، التي أزيح منها أخيرا، وعوضه محمد بنشعبون، ليبدأ فيها رحلة أخرى بآفاق أخرى، ليس فقط لأنه غريب عن المجال، ولكن أيضا لأن المجال كان يمور بالتكتلات، والمشاكل العويصة، والمنزلقات الصعبة، والتطاحنات المخفية والظاهرة، وبالتالي، فالأمر كان يحتاج إلى ابن الدار، ممن خبروا الأمور، ويمكنهم تهدئة الخواطر، وهو ما لم يفعله الرجل، وجر عليه الكثير من المصاعب.

عددت، في تلك الأثناء، اسباب الفشل المرتقب، لاسيما أن أحيزون غير كثيرا جدا في منصب المدير التقني الوطني، فضلا عن المديرية التقنية، وهو شيء لا يتسق مع النجاح؛ إذ المفروض أن من يتغيروا كثيرا هم الرؤساء وليس المديرين التقنيين (اختلف معي بخصوص هذه الجملة، وهو يطالع مقالة لي في "الجريدة الأولى"، وأصررت على رأيي، الذي تداولنا فيه أثناء مغادرته للقاء صحفي في الصورة وهو يطرح معي الموضوع، وأؤكد له صوابية الفكرة، وكان نقاشا جيدا، ومؤدبا).

قلت إنه لمن حسن حظي أنني قلت رأيي في رئاسة أحيزون في حينه، لأن هذا يتيح لي اليوم، ونحن على مقربة من عشرين سنة من ذلك التاريخ (2006 - 2026)، أن أقول ما أراه حاليا بكل نزاهة فكرية، وبما يقتضيه الموقف، لاسيما وأن ألعاب القوى المغربية، وهذا مؤسف جدا، وصلت إلى النقطة التي توقعتها، ومعي كثيرون للحق، وهو ما لم أكن أرجوه أبدا.

ففي مقابل فورة للمنتخبات الوطنية لكرة القدم (البطولة الوطنية لا تساير بالإيقاع نفسه، مع الأسف)، تراجعت ألعاب القوى المغربية بشكل مهول في السنوات العشرين الماضية، حتى إن البطل الوحيد الذي صار يتوقع المغاربة وصوله إلى المحطات النهائية هو سفيان البقالي؛ وهو بطل كبير جدا، يستحق كل التنويه، وبخاصة أنه اشتغل بعصامية، مع مدربه المقتدر، سي كريم التلمساني، الذي تبناه من صباه، وما يزال يحرص على تدريبه بجدية، وقتالية، عساه يطيل عمره الرياضي.

القول إن ألعاب القوى الوطنية تراجعت ليس مجردا من الدليل، ذلك أن أم الرياضات المغربية، التي كانت تحضر المنافسات الكبرى بعدد معتبر من الرياضيين، وفي معظم سباقات المسافات المتوسطة وشبه الطويلة والطويلة (800، و1500، و3 آلاف متر موانع، و5 و10 آلاف، والماراثون)، حتى إن كثيرين هاجروا، وغيروا جنسيتهم، فقط لأنهم يملكون الأرقام المؤهلة للبطولات، ولم يشاركوا فيها بفعل وجود من هم أفضل منهم رقميا.

أي نعم، هنالك رأي ظهر علينا، مع مجيء أحيزون إلى ألعاب القوى، يقول بأن التغيير احتاج إلى إعادة هيكلة، وأن هذه الأخيرة كان لزاما أن تحدث فرملة في النتائج، على أن الأبطال سيبرزون، في وقت لاحق، ليملأوا الدنيا ويشغلوا الناس بالألقاب. غير أن ذلك لم يحدث مع الأسف، وكان واضحا للغاية، من خلال تغيير المديرين التقنيين (مصطفى عوشار، وصمصم عقا، وعبدالقادر قادة، وأحمد الطناني، وغيرهم كثير)، أن البحث عن النتائج لم يثمر شيئا، وعوضه الحديث المفرط عن البنيات التحتية (إنشاء مضامير جديدة، ومراكز للتكوين)، لم تعط أكلها المتوقع، لأسباب كثيرة.

ما المتعين الآن؟

أولا ينبغي الإشارة إلى أن الوضع الذي كانت تعيشه ألعاب القوى قبل مجيء أحيزون ما يزال، تقريبا، هو نفسه، من حيث التجاذبات، والاختلافات، والإقصاء في الرأي. وهو ما يعني أن الحاجة تقتضي التهدئة، ولم الشمل، وفتح الباب للرأي والرأي الآخر، في ما يشبه مناظرة وطنية (بمناظرات جهوية)، تستشرف مستقبل ألعاب القوى، بما يخدم مصلحتها، ومصلحة البلد، ونحن مقبلون على منتديات دولية كبرى، سيكون من غير المقبول أن ننتظر فيها من سفيان البقالي، وهو الذي فاز بكل شيء، وبجدارة، أن يحمل عنا عبء الوصول إلى البوديوم.

للذاكرة فقط. كنت في جمع عام من الجموع الأولى لما بعد 2006، حين سمعت محمد المعزاوي، رئيس جميعة السباقات على الطريق والمراطون، يقول للرئيس الجديد:"لعل قدرك أن تقيم البنيات التحتية. غير أنه لن يتسنى لك، حتى لو بقيت عشرين سنة في هذه المهمة، أن تفوز بالميداليات. فالأمر معقد للغاية، ويحتاج إلى إصلاحات متشابكة". (أكتب هنا بالاعتماد على الذاكرة، ويمكن للأخ المعزاوي أن يصحح لي).

أخيرا: هل يتحمل أحيزون وحده المسؤولية في ما وصلت إليه ألعاب القوى؟؟

هنالك من سيقول لي، "ومال ألعاب القوى، راها بخير وعلى خير. غير كيجيب ليك الله"، وهذا لا أوجه له السؤال مطلقا، وليس معنيا بأن يرد عليه، لأنه يرى ما لا أراه، وبالتالي فنحن ضدان. 

أما من يرون ما أرى، أو تقريبا، ومهما اختلفنا، فيعتقدون بأن الرجل لا يتحمل المسؤولية لوحده، لأن هنالك أطرافا عديدة أصرت على أن تبقى دار لقمان على حالها، حتى وهم يرونها في حال لا يسر. ومنهم من لا يزال في موقع المسؤولية إلى اليوم، وبعد كل هذه السنوات الطويلة. كما أن جزءا من الإعلام، ولأسباب مفهومة، ومعلومة، ساير الموجة، حتى لم يعد هنالك موجة من أساسه، بحيث اختفت ألعاب القوى من صحافتنا، ولم يعد لها أثر، إلا في ما ندر.

في مملكتنا العظيمة بذور أبطال في كل مكان. وهؤلاء يتشوقون لكي يصعدوا البوديوم، ويرفعوا الراية المغربية عاليا، في كل المنتديات العالمية الكبرى. فقط ينتظرون أن تتاح لهم الأسباب إلى ذلك، من تكوين، وتدريب، ومنافسة. وقد حان الوقت لكي تتململ ألعاب القوى، وهي التي تحظى بشرف أكبر عدد من الميداليات الأولمبية، وشرف الفوز بأول ميدالية على الإطلاق، عبر الراحل عبدالسلام الراضي، وأول ذهبية، عبر نوال المتوكل، والثانية، عبر سعيد عويطة، وهلم جرا، وصولا إلى سفيان البقالي.

حظا سعيدا ألعاب القوى. فقد اشتقنا إلى نبض القلوب وأبطالنا يركضون، ويعلون رايتنا، ونحن نفرح بهم، والوطن يخلد أسماءهم.

تحياتي