بين ورود قلعة مكونة، وكرز صفرو، وإيقاعات الصويرة، يختار المغرب أن يُنشد ذاته بلهجة التراب، وأن يستعيد شيئًا من ذاكرة المكان عبر المهرجانات. ليست هذه الفعاليات مجرد كرنفالات موسمية أو مناسبات ترفيهية؛ بل هي تعبير شعبي عن "ثقافة الصورة"، و"هوية الشعور"، في زمن كاد أن يُفقد فيه الإنسان صلته بجذوره.
قلعة مكونة: حين تزهر الذاكرة
في الجنوب الشرقي، تستفيق مدينة قلعة مكونة على موسم الورد. ليس الورد هنا للزينة، بل هو رمز إنتاج، ورائحة اقتصادية، وهوية محلية. حين يرقص الرجال والنساء على إيقاعات أحيدوس، وهم يرشون بتلات الورد في الفضاء، فهم لا يؤدّون طقسًا جماليًا فحسب، بل يُعلنون – ضمنيًا – أن الورد هو "لغة" قبل أن يكون منتوجًا.
فكيف يمكن لزهرة صغيرة، تُقطف في الصباح، أن تحكي حكاية قرية بأكملها؟
إنه الاقتصاد حين يلتقي بالجمال... والزراعة حين تصافح الفن.
صفرو: طقس الكرز وطقوس الذاكرة
أما مدينة صفرو، فتصنع من الكرز عيدًا بصريًا ممتدًا. مهرجان "حب الملوك" كما يُعرف محليًا، لا يقدّم فقط فاكهة حمراء متدلّية، بل يقدّم سردية عن المغرب الذي يفرح من البسيط، ويحتفل من قلب الطبيعة.
اختيار "ملكة الكرز" مثلًا، ليس فقط تقليدًا عتيقًا، بل هو تمثيل بصري للأنوثة الريفية في تخيّل الجماعة.
🥁 الصويرة: موسيقى كناوة بين الطقس والعالم
وفي الغرب الساحلي، تنفتح أبواب الصويرة لمهرجان كناوة وموسيقى العالم. هنا نكون أمام مشهد آخر: مزيج من الروحاني والإفريقي والمعاصر. الغْناوة ليست مجرد إيقاع، بل تجربة سمعية-بصرية تحمل ذاكرة الرقّ، وجرح العبودية، وأمل التحرر.
في رقص "الڭنبار" و"الطبل"، يذوب الجمهور بين تصفيق وخشوع، بين نشوة واستدعاء للغيب. المهرجان هنا ليس ترفًا... بل احتفاءٌ بطقس فنيٍّ هاربٍ من التصنيف.
✨ مهرجانات أم مرايا مجتمعية؟
ما يجمع هذه المناسبات، رغم اختلاف طابعها، هو كونها فضاءات بصرية يتداخل فيها الجسدي بالرمزي، والمحلي بالعالمي.
هي أشكال من التعبير الجماعي، يعيد فيها المواطن رسم صورته ضمن نسق ثقافي متغير، وفي عالم رقمي يحاول قولبة كل شيء في قالب واحد.
فهل هذه المهرجانات مجرد استعراضات؟
أم أنها، في عمقها، مقاومة ناعمة ضد التنميط والتلاشي الثقافي؟
وهل تستطيع أن تتحوّل من لحظة موسمية إلى مشروع دائم للتنمية والهوية؟






