إيران ليست فقط الملالي، بتزمتهم ولحاهم الطويلة وعمائمهم السوداء والبيضاء؛ بل هي ذلك النبع الكبير والغزير الذي نهل منه العرب والمسلمون ألوان الحضارة والفنون والآداب، والموسيقى والتصوف، وعلم الكلام، والشعر، والزخرف، وأنماط العيش ولذائذها. حضارة تركت بصماتها على مجتمعات وامتزجت بما وجدته فيها...
أكلة "المروزية"، على سبيل المثال، نموذج لهذا الامتداد. هي، كما نعلم، أكلة العيد في رأس السنة الفارسية "النيروز"… والكلمة نسبة إلى "أم روز"، ومعناها اليوم الكبير، أي العيد. ففيه تهيأ تلك الأكلة اللذيذة، وما زال المغاربة حريصين على تخصيص قطع من لحم الأضحية لها.
لا ننسى في هذا الصدد وجود كلمات فارسية وردت في القرآن الكريم. كلمة شهيرة تخطر ببالي: "بيمارستان"، وتعني المكان الذي يُودَع فيه الحمقى وغير العقلاء (بي مار، ترجمتها: بدون عقل). يجب أن لا ننسى إيران الشعر، من خلال العظيمين: الفردوسي وعمر الخيام، على سبيل المثال لا الحصر.
هذا التواشج بيننا لا ينسينا وجود خلافات فقهية ومذهبية، عمقها الغرب على مدى قرون، للإيقاع بين الشيعة والسنة، لإضعافهما.
رفض المغرب، منذ عهد الملك الحسن الثاني، الدخول مع إيران في مهاترات. منع تطاول الأجنحة المتطرفة فيها على سيادته والمسّ بأمنه الروحي. خاطبهم، حاورهم بالحسنى والعقل، واقترح صيغًا فكرية للتقريب بين المذاهب، دون أن يقطع الصلة بهم ومعهم، إلا بعد أن عيل صبر الملك الراحل. ولما اشتد أذاهم، ولامس الحدود والأطراف، أصبح ضروريًا وقف الزيغ؛ ولسان حال الرباط يقول: "إياك أعني، فاسمعي يا جارة".
انطلاقًا مما سبق ذكره، أعتقد أنه يجب علينا، مسلمين وعربًا، التمييز بين الوقتي والأبدي. إن حضارة بلا فارس، ممتدة فينا وفي غيرنا... تقبلناها بتلقائية ودون تعصب، وامتزجت في موروثنا، فصارت جزءًا منه.
اللوم الكبير يجب أن يوجَّه لجارتنا الشرقية، التي سعت بكل جهودها لاستعداء إيران وغيرها، للنيل من حقنا التاريخي، بالزور والبهتان والكذب الصراخ.
إيران أمة ذات تاريخ عظيم وعريق، قادرة على تخطي الأزمات والوطآت. بعدُنا الجغرافي عنها يؤمِّننا من شرها.
إن جنحت للسلم، فلا سبب يحملنا على عداوتها، وإن أضمرت شرًا، فلن تظلم إلا نفسها بما جنت يداها.






