قال لي صديق: يبدو أن أسعد من احتفل بعيد الأضحى المبارك لهذه السنة بالمغرب هم عمال النظافة. لقد وجدوا أنفسهم، ولأول مرة، في ما يشبه عطلة سنوية استثنائية بعدما كانت إداراتهم تستدعيهم في السنوات الماضية كما تستدعى قوات الاحتياط في حالات الطوارئ..!
في مدينة كالدار البيضاء مثلا، وخلال أيام عيد الأضحى، كانت شركات النظافة تستنفر أكثر من 2000 شاحنة وأزيد من 6000 عامل نظافة وأزيد من 130 طنا من الأكياس البلاستيكية لجمع الأزبال ومخلفات الأضاحي التي يرمي بها السكان في جنبات الشوارع والأزقة بعدما تكون قد امتلأت حاويات النفايات عن آخرها.
بالأمس واليوم، ولأول مرة خلال الربع الأول من القرن ال 21، يحتفل المغرب بعيد الأضحى المبارك بدون مظاهر البداوة والبشاعة والقذارة والتخلف.
لأول مرة، يحتفل غالبية الشعب بعيد الأضحى في نظام وانتظام، في هدوء وسكون، في تعبد وخشوع طلبا لمرضاة الله، في تآزر وتآخي ومحبة، بما يرمز له هذا العيد من قيم إنسانية نبيلة.
في فبراير الماضي، أهاب أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في رسالة سامية، بشعبه الوفي عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة، وذلك حفاظا على الثروة الحيوانية الوطنية في زمن عانت فيه البلاد والعباد من آثار سبع سنوات من الجفاف. وكعادته في مثل هذه المناسبات، إستجاب الشعب المغربي لنداء الملك، بتلقائية وتقدير.
إنتهى العيد إذن هذه السنة، فلم نر مشاهد الخطافة والشناقة واللصوص وقطاع الطرق يحومون حول الأسواق كما تحوم الذئاب حول المزارع. ولم نشاهد في التلفزيون شناقة ولصوص من طينة أخرى، وبربطات العنق، يشهرون مزايا "أسواقهم الممتازة" وأبناكهم الفتاكة يحاولون تصيد الفقراء لتوريطهم في قروض استهلاكية لشراء أكباش "مستوردة ومضمونة الجودة". لم نر مجرمون سابقون يتحولون بقدرة قادر إلى جزارين أو تجار الثبن والفحم وأدوات الذبح والسلخ. ولم نر أطفالا شبه مخدرين يتزايدون على بعضهم البعض للافتخار بأكباش مشحومة بأعلاف مسرطنة، ويتسابقون لبناء أفران في جنبات الأحياء العشوائية وحتى في الساحات العمومية ل "تشويط الريوس". لم نر "وعاض ومرشدين" في قنوات التواصل الاجتماعي يشرحون فوائد لحوم أضاحي العيد وأحسن الطرق الصحيحة لإعداد قضبان "بولفاف" وطواجين "اللحم بالبرقوق" وفوائد "الخليع" و "القديد". ولم نر "الروتينيات اليومية" وهن شبه كاسيات بل عاريات يغسلن "الهيضورات" في أسطح المنازل..
لا، هذه السنة، ولله الحمد والشكر، لم نر شيئا ما من مظاهر هذه البشاعة والقذارة والتخلف.
هذه السنة، رأينا ملك البلاد يؤدي صلاة العيد وينحر خروفين أملحين: واحدا له، وواحدا لأمته وشعبه.
رأينا الناس يؤدون صلاة العيد، ويباركون لبعضهم البعض، ويزورون المرضى، ويتصدقون على الفقراء، ويترحمون على الموتى.
رأينا أطفالا يلبسون أجمال اللباس، ويمرحون مع بعضهم البعض، ويعيشون طفولتهم في سلام وآمان.
نتمنى، من الأعماق، أن نقطع نهائيا مع مظاهر البشاعة والقذارة والتخلف.
وندعو الله أن يعيد علينا أمثال أمثال هذا العيد وبلادنا سائرة في ترسيخ الحداثة والمدنية والتحضر، وتعزيز قيم التضامن والتآزر والتآخي.
وعيدكم مبارك سعيد،
وكل عام وأنتم بخير.