هناك نزعة بغيضة في التعالي والتذاكي على عامة المغاربة بمناسبة عيد الأضحى، وجلد البسطاء والناس العاديين، باعتبار من اشترى لحماً أو “دوّارة” جاهلاً أو ملهوطاً، وأن لا عبادة تُقبل منه ولا تُرجى منه مواطنة. حائط قصير لا يتكلم ولا يُنتظر منه أن يدافع عن نفسه. هذا المنطق، الذي ظاهره النصيحة وجوهره التعالي والتحقير، مُخطئ تماماً لأنه يتخيل أن الناس متساوون في فهم المصلحة العامة والبحث عنها.
دعوة الملك بعدم إقامة شعيرة التضحية والاكتفاء بطقوسها ومعانيها قرار صائب، لأن “السكين وصلت للعظم” فيما يخص وضعية قطيع الأغنام بالمغرب، الذي أصبح عدده الآن مقدار ما كان عليه في السبعينيات! الملك اتخذ هذا القرار نظراً لمسؤوليته ومعرفته بأحوال العالم القروي والتقارير التي تُرفع إليه.
لكن المواطن البسيط والعادي لا يُطلب منه ولا يمكن له أن تكون عنده دراية ووعي بكل هذا، ولو تُرك لنفسه، فسيتعامل بطبيعة الحال كمسلم يعتقد بأن عيد الأضحى شعيرة دينية، ولكنه سيتصرف أيضاً كفرد من مجتمع تعوّد وألِف منذ عقود أن يشوي ويقطع اللحم ويُعدّ القضبان وبولفاف يوم العيد. ما يهمه هو ذلك اليوم وفقط، وما عهده منذ أن فتح عينيه داخل المجتمع المغربي. أما المحافظة على القطيع والتفكير في سلاسل الإنتاج والخوف من الغلاء المحتمل فهي أشياء مجردة وضبابية بالنسبة له.
ليس هناك شيء اسمه مواطن واعٍ ومسؤول بالفطرة، فهي أمور تأتي عن طريق التربية والثقافة التي تأخذ وقتاً لكي تصبحا طبعاً جديداً، لكن الأهم هو وجود قوانين واضحة وزجر للمخالفين ودولة قادرة على تطبيق ذلك، وتبدأ بذلك من نفسها. فلم يكن الصحابة مخطئين حين قالوا: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، أي أن سلطة الدولة أحياناً تكون أكثر قوة وفعالية من الموعظة والوازع الأخلاقي والديني. أتذكر مثلاً كيف أن الجميع كان يرفض منذ سنوات وضع حزام الأمان أثناء القيادة، ولكن عندما وضعت الحكومة غرامات كبيرة على المخالفين، امتثل الجميع وصارت الآن شيئاً عادياً وطبيعياً. لا يُرجى إذن من الأفراد أن يكونوا مثاليين وواعين بالمصلحة العامة، حيث أن المصلحة الخاصة والفردية تكون أقرب للنفس، لكن الدولة هي التي يجب أن تكون مثالية وواعية بدورها لأن وظيفتها هي الحرص على المصلحة العامة وتطبيق القانون وزجر من لا يمتثل.
باختصار، لا تُحمّلوا الناس أكثر من طاقتهم، ولا تصفوهم باللهطة وعدم المواطنة، بل يجب توعيتهم بدون جلد أو أستاذية، مع الحرص على تطبيق القانون وتوجيه اللوم والاتهام لا للمواطنين بل لمن حرموا الناس من العيد بسوء تدبيرهم وتواطئهم مع المحتكرين والمضاربين وتشجيعهم للجشع و”زيادتهم الشحمة في ظهر المعلوف”.






