مجتمع وحوداث

الترندات الرقمية بالمغرب: كيف تشكل السوشيال ميديا واقعنا الثقافي والاجتماعي؟

إبراهيم الخياطي (باحث في الثقافة البصرية والوساطة الرقمية)

في الزمن الرقمي، لم تعد التغيرات الثقافية والاجتماعية تحدث تدريجيًا، بل عبر ومضات مفاجئة تحملها "الترندات". يكفي فيديو قصير، صورة معدلة، أو تصريح في بث مباشر، حتى يتغيّر مزاج مجتمع بأكمله. المغرب، كغيره من المجتمعات، لم يعد يتأثر فقط بالنقاشات البرلمانية أو الخطابات الرسمية، بل أصبح يعيش، يفرح، يغضب، ويقرر أحيانًا بناءً على ما يتصدر "الطوندونس".

من "كوميديا الميمات" إلى الفيديوهات الفاضحة، من التحديات السخيفة إلى حملات التضامن، من التأثيرات اللحظية إلى القضايا الكبرى... صار الترند المغربي يعكس درجة توترنا الاجتماعي، خيالنا الجمعي، ومزاجنا العام. لكن الأهم: صار يوجهنا، ويحدد، في كثير من الأحيان، ما نراه مهمًا وما نراه تافهًا.

في قلب هذا التحول، لم يعد الفاعل الثقافي أو السياسي هو من يقود النقاش، بل المؤثرون، صانعو المحتوى، أو حتى "المجهولون" الذين يصادف أن تفاعل الجمهور معهم فجعلهم نجوما لثوانٍ. كل شيء أصبح قابلًا للترند: مقطع من صلاة، رقص في مهرجان، طفل يبكي، سائق يشتم، أو امرأة تُسائل شرطيا. الفضاء العام انتقل إلى شاشة، والصراع حول الرموز، القيم، وحتى الحقائق، يُدار اليوم عبر فلاتر الإنستغرام وأصوات التيك توك.

لكن ما يُقلق في هذا المشهد ليس فقط طغيان اللحظة، بل ضمور التفكير. حين يتحكم الترند في النقاش، تصبح الذاكرة قصيرة، ويصبح التحليل عبئًا ثقيلًا. القضايا الكبرى تُختصر في تعليق، والظواهر المركّبة تُبتلع داخل هاشتاغ.

ومع ذلك، لا يجب أن ننظر إلى الترند كعدو. هو مرآة. لكنه مرآة مُحدّبة، تعكس ما نريد أن نراه، وتخفي ما يجب أن نراه. ولذلك، على الباحثين، الإعلاميين، والمربين، أن يدخلوا هذا الفضاء، لا ليقاوموه، بل ليعيدوا تشكيله. فالثقافة البصرية اليوم لم تعد ترفًا، بل أداة لصناعة الواقع وإدارته.

إن سؤالنا الأساسي اليوم في المغرب يجب ألا يكون: ما هو الترند؟ بل: لماذا هذا الترند؟ ومن يصنعه؟ ولأية غاية؟