سياسة واقتصاد

هل المغاربة جميعا "أمازيغ"؟

عبد المجيد النحكامي

  "كلنا أمازيغ"!.. هذا ما تُصِرّ على تأكيده أدبيات الحركة الأمازيغية بصيغ مختلفة، ومنه تستقي عناوين "الشعب الأمازيغي" و"بلاد تمازغا"، و"العلم الأمازيغي"، و"اللغة الأمازيغية"، و"السنة الأمازيغية"..، وغيرها مما تؤثث به مشروعها في تشكيل "القومية الأمازيغية" ضدا على مشروع "القومية العربية" الوافد من المشرق...

فهل المغاربة جميعا "أمازيغ"؟

 

(1) ــ أصل كلمة "أمزيغ":

شاع بيننا من خلال الخطاب الصاخب، المسموعِ وَحْدَه، لنشطاء الحركة الأمازيغية أن معنى "أمزيغ" هو "الإنسان الحُرّ النّبيل". وقد مَكّن عُلُوّ صوتِ هذا المعنى من إخفاء معنى آخر يبدو لنا هو الأرجح في أصل الكلمة. ذلك المعنى الذي يبدو أن التصريح به مَحلُّ حرجٍ شديد!..

مما ورد من فرضيات بخصوص كلمة "أمزيغ" نجد: "الغازي"[1]، و"الأحمر"، و"الغريب" و"المستقر"[2]، و"البَنّاء" و"المُشيِّد"[3].

من تلك المعاني، يبدو لنا معنى "الأحمر" هو الأقرب إلى الصواب إذا علمنا أن كلمتا "إِمْزُوغ" و"إِمْزَوْغَنْ" تحمل معنى الشيء الأحمر في عدد من اللهجات البربرية. ونجد في أحد المعاجم[4] كلمة "أَمِزْوَاغْ" (جمعها: "إِمِزْوَاغَنْ") تحمل مَعْنَيَيْ "الأحمر" و"رجلٌ من العرق الأبيض". وفي تمييز باحث أمازيغي بين الإثيوبي والليبي بحسب ما صورتهما اللوحات المصرية القديمة، قال: «النوبي (الإثيوبي) له سُحنةٌ سوداء، لدرجة أن الفنان لم يبين حَلَمَة ثديه كدليلٍ على درجة سواد البشرة. أما الليبيوم، فلبشرتهم لونٌ أَمْغَر (مُحْمَرّ)»[5].  واللون "الأمْغَرُ" يعني: الأحمرُ في بياضٍ صافٍ؛ و"أَمْغَرَتِ" الشاة يعني: خالط لبَنَها دمٌ من داءٍ[6].

فماذا لو رجعنا مباشرة دون وُسَطاء إلى ما تحتفظ به الذاكرة الشعبية لهذه الكلمة، التي منها ينهل الباحثون لتدويناتهم؟

أنا من أبناء جنوب شرق المملكة المغربية، وإنك إذا سألت أيّ شخص (مهما كان سِنُّه) في بوادي هذه المنطقة عن معنى كلمة "أمزيغ"، فسيجيبك ببداهةٍ ودون أدنى تردُّدٍ بأنها تعني "الأبيض". هكذا بكل بساطة بعيدا عمّا يُتَكلّف من تأويلات. ويرتبط هذا المعنى بمقترح "الأحمر"، لأن الحُمرة من السِّمات اللصيقة بالأبيض[7] فتعلو بَشْرَته، وخاصة مع لسعات البرد القارس أو لفحات الشمس الحارقة. وفي اللسان العربي الدارج بالمنطقة، عندما نصف شخصا بأنه "أحمر"، فنعني بذلك أنه "أبيض".

و يزداد تأكيد هذا المعنى "البسيط" و"الواضح" من خلال القِصص التي تتردّد وقائعها بين الحين والآخر بين شباب المنطقة. فعندما يتجرأ شاب أسود على طلب يد فتاةٍ بيضاء للزواج من نفس دُوّارِه، أي أن كِليْهما معا يعيشان في بيئة بربرية واحدة ويتكلمان لغة بربرية واحدة، فإنه في كثير من الحالات يرفض الأهلُ مُباركَة الزواج لأن الذي تَقَدّم ليس "أمازيغيًا"!.. هكذا بكل بساطة!.. أي بمعنى أنه: ليس "أبيضًا"، أو على الأقل: لا يحمل سِمات البِيض إذا كان لونه يميل إلى السُّمرة. فأن تكون "أمازيغيا" إذن، يعني ببساطة أن تنتمي إلى "العرق الأبيض".

معنى "الأبيض" هذا واسع الانتشار بين عامة الناس، وعادة ما يتم استحضاره عندما يتطلب الأمر التمييز بين البيض والسود، كأنّه جدارُ فصلٍ عنصريِّ يفرق بين "شعبين"!.. ويا لشدة حضور وعنف هذه الكلمة عندما تكون النفوس بين أفراد "الشعبين" متوترةً لسبب أو لآخر، وفي حالة تطاول أحدهم على محاولة اختراق جدار الفصل من خلال الزواج المختلط!!..

 

(2) ــ "الإنسان الحُرُّ النبيل"

فكيف تطورت كلمة "أمزيغ" من معناها الحقيقي "أبيض" إلى المعنى المجازي "الحر النبيل".

لا نجد أفضل من موقف الزواج المختلط نفسه لكي نعرض لهذا التطور.

فـ"الشعبان" معا في المنطقة متجاوران متداخلان إلى مستوى التشابك، وهما على كل حال يتعاونان في كل شيء مما له علاقة بالمصلحة العامة... غير أنه في مسألة التزاوج بالذات، فإنك تجد نفسك فيما يشبه الجزر المنغلقة على نفسها، فيُمنع التزاوج بين "الشعبين"، أو بالأحرى: يَمْتنع (أو يَأْنَف) "الشعب الأبيض" عن التزاوج مع "الشعب الأسود"!..

يشتد إذن التركيز على كلمة "أمزيغ" كلما تعلق الأمر بمشروع للزواج بين أسود وأبيض. فحينها ينتفض أهل الأبيض لكي يعترضوا على هذا الزواج جُملة وتفصيلا بدافعٍ غيرِ مُصَرَّحٍ به، لكن التلميحات الخفيّة والهمز واللمز تكشف حقيقته. إنه دافع: الحفاظ على نقاء وصفاء العرق الأبيض وملامحه "الرقيقة"، "الجميلة"، "النبيلة".

هذا الرفض الصارم، المتشنج أحيانا كثيرة، يستشنع اختلاط الدماء؛ أو بالأحرى، يستشنع أن تتلوث الدماء البيضاء النقية بدماء سوداء مستقبحة. وكيف للأعمام (أو الأخوال) والجد والجدة وباقي الأصول أن يتقبلوا مولودا (هو في تصورهم) "شنيع" الوجه بلون أسود، أو شفاه غليظة، أو أنف أفطس، أو شعر صوفي أكرت..، أو كل ذلك جميعا!... فهو بهذه النظرة سيكون لا محالة "مولودا مشوها" أو "مسخا"، "شاذا" عن السِّمات المعيار، "السمات السّوية" التي يُرْجَعُ فيها إلى "العرق الأبيض"!..

لقد نتج عما مضى من حالات الاختلاط (بالرضا أو بالإكراه) بين "الشعبين" مواليدٌ يمكن وصفهم بالخِلاسيين (المُهَجنين أو المختلطين) لجمعهم ما بين سمات "الشعبين". هؤلاء الخِلاسيون بحسب حظهم، كلما اقتربت ملامحهم من "السمات السوية" المعتمدة خفّت "البشاعة" وجاز "نسبيا" نسبهم لـ"الأمازيغ"..، وكلما ابتعدت، زادت "البشاعة" واستشكل النسب لـ"الأمازيغ" أو انتفى بالمرة!..

و يتأكد هذا الحرص على "نقاء العرق الأبيض" أكثر في حالة إذا ما كان هناك شك عند الطرف الأبيض في "نقاء" الطرف الآخر: فَيَعْمَد الأهل في عدد من الحالات إلى التقصي عن أصول طالب الزواج للتأكد من خلوهم مما قد يدل على انْدِساس وتسلل دماء من "العرق الأسود".

ثم إذا أصرّ الطرفان المعنيان بهذا الزواج على إتمامه رغما عن أنف المعترضين..، فإن نَوْبات التوتّر تشتد كلما كان هناك حَمْل: فيتطلع الأصهار بقلق شديد إلى معرفة الصورة التي سيخرج بها المولود إلى هذه الدنيا...

هكذا إذن نصل إلى معنى "الحر" و"النبيل" (في تصوري بحسب النسق الاجتماعي للمنطقة التي أنتمي إليها): فالأبيض هو ذلك الإنسان الذي سَلِمت دِماؤُه من الاختلاط بدماء أخرى يُنظر إليها بقذارة، وهي هنا بطبيعة الحال الدماء الزنجية. "الأمازيغي" هو ذلك الإنسان الذي حقق نقاءً وصفاءً عِرقيا، فلا تشوبه شائبة. في حين أن الخِلاسي (و الأسود) هو كائن بشري مشوه لا صلة له بالنسخة الأصل (النسخة البيضاء ذي الملامح الرقيقة، المرجع الذي يقاس عليه).

إن الانتقال من الإنسان الأبيض إلى الإنسان الخلاسي (و الأسود)، هو انتقال من النسخةِ البشرية "الأصلية" "النقية" "الخالصة"، إلى نسخةٍ يمكن وصفها بأنها "مشوهة"، "مزورة"، "مختلطة"، "ملوثة"...

بهذا تحمل كلمة "أمزيغ" معاني: النقي، والأصيل، والحقيقي، والحر، والنبيل[8]..، وما شابه ذلك من المعاني "الجميلة" التي ينسبها "الأسياد البيض" لأنفسهم[9].

و لعلنا في هذا السياق، عند استحضار ما قاله محمد بن الحسن الوزان بشأن عبارة "أوال أمزيغ" التي تعني "الكلام النبيل"[10]؛ يجعلنا نفهم بأن المقصود هو: اللغة الأصيلة الخالصة من الشوائب، الخالية من اللحن والتحريف..؛ مع العلم أن الدارجة المغربية (العربية) التي كانت تتشكل آنذاك (القرن السادس عشر) في مواقع التواصل والاحتكاك (الاختلاط) ما بين العناصر العربية والعناصر البربرية، قد وُصفت حينها بأنها "لغة فاسدة" و"رديئة"[11] لاختلاط الكلام فيها، فلا هي بالبربرية الخالصة ولا بالعربية الخالصة.

و يزداد اقتناعنا بهذا المعنى والتطور عندما نعلم أثره على المجموعات العربية التي استوطنت بين بربر الجنوب الشرقي: فهؤلاء العرب ينظرون إلى سودِهِ بوصفهم "حراطين". هذه الكلمة الأخيرة لا نرى فيها إلا تحريفا للكلمة البربرية "إحرضانن"[12] التي تعني "السُّود"، ومفردها "أحرضان"، أي "أسْود" (حرطاني). فالأمازيغي (الأبيض، الأمْغَر) إذن يقابله الحرطاني (الأسود). هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يظهر أثره على المجموعات العربية كذلك في تعاملها مع طالب الزواج بالسؤال عن أصله: هل هو "حر" أم "حرطاني"؛ وطلب إثبات "الحرية" هذا لا يتطلب صكّا أو شهادة لإثباتها..، وإنما يكفي التفرس في ملامحه وملامح أصوله لمعرفة ذلك: أي أن "الحرية" المطلوبة هنا إنما هي البراءة من "السمات الزنجية".

و إنه لمن غرائب هذا الحرص من قِبَل هؤلاء جميعًا على "النقاء العرقي"، أن تجد نفسك تائهًا بين تَدَرُّجات الدُّكْنة وتنوع السِّمات التي تستوطن المنطقة، فتتساءل أحيانا: بأيِّ مقياسٍ يميز هؤلاء "الأمازيغيَّ" عن "غير الأمازيغي"، أو "الحُرَّ" عن "غير الحر" مع تقارب اللون والسمات؟.. فتجد مثلا شخصا يدّعي لنفسه أنه "أمازيغي" أو "حر"، ويصف جاره بأنه "حرطاني"، رغم أن من ينظر إليهما معا بعين مجردة لا يكاد يجد بينهما فرقا، لا من حيث اللون ولا من حيث السمات، وقد يصنفهما معا ضمن السود!.. هنا إذن قد يكون النسب (الانتساب إلى عربي أو أمازيغي) هو حبل النجاة من التصنيف ضمن "الحراطين".

و لعل اعتماد النسب هذا هو الذي يفسر غرابة التنظيم الاجتماعي للطوارق: فأنت عندما تنظر إلى أحدهم من خلال لونه وملامحه ستصفه دون أدنى تردد بكونه أسودا قريبا إلى الزنوج. ولو سألنا أحد بَدَوِيِّي تافيلالت أو درعة أن يصنفه لَوَضعه مباشرة ضمن عنصر "الحراطين". غير أن الطارقي هناك، بعيدا في موطنه وسط الصحراء الأقرب إلى منطقة تَرَكُّز "الزنوج" والأبعد عن منطقة تركز "البيض"، يُصَنِّف نفسه ضمن النبلاء "التماشق" (أو التماهق أو التماجق، بمعنى أمازيغ)، ويصنف العناصر الأشد دُكْنة منه ضمن الفئات الدنيا، "العبيد". وفي نفس هذا السياق نستحضر حالة القائد "التهامي الكلاوي الذي وصفه فرنسيٌّ (أبيضٌ) بـ"الأمير الزنجي" و"الزنجي الهجين"[13]، مع العلم أن هذا "الأمير الزنجي" نفسه كان له عبيد وإماء من السود!..

خلاصة القول ننقلها على لسان رجل مُسِن أبيضَ أَمْغَرَ (أمزيغ) من الجنوب الشرقي؛ فقد سألته يوما: «هل يمكن أن أصف جاريَ الأسود بأنه "أمازيغي"؟»... اِستشنعت ملامحُ وجهِهِ السؤال..، ثم أجاب بحسم لا تردد فيه: «لا!..».

 

(3) سكان المغرب الأولون:

في يوم دراسي نظمه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2018 بعنوان "صورة الأمازيغ في الكتابات الوطنية والأجنبية"[14]، تحدث أحد باحثيه عن التنظيم الاجتماعي لآيت عطا، فبين أن عنصر "آيت عطا الأحرار" يتربع على قمة الهرم الاجتماعي بوصفهم ينتسبون فعلا لقبائل آيت عطا عن طريق النسب، وأن عنصر الحراطين يقبع في سافلته بوصفهم الطبقة الدنيا. ويصف الباحث الحراطين بأنهم: «من أصول إفريقية، ويحملون أسماء المناطق التي يستقرون بها، مثل دراوة (سكان درعة) وفيلالة (سكان تافيلالت) وركراكة (سكان الرك)». ثم لا يتردد في ربط وجودهم بجنوب شرق المغرب مباشرة بتجارة الرقيق؛ فقد «وصلت هذه الفئة [بحسب قوله] إلى المنطقة في إطار تجارة القوافل الصحراوية، وأصبحت تشكل شريحة مهمة من الخَمّاسين لارتباطهم بخدمة الأرض والأشغال الفلاحية. لذا ظلت تعاني من التهميش والتحقير لفترات طويلة من التاريخ، وكانت دائما تقوم بأعمال السُّخرة لفائدة العَطَّاويي الأصل وبدون مقابل»[15].

فهل يا ترى انتهى عهد التهميشِ والتحقيرِ ذاك والباحث الأمازيغي نفسه يستأصلهم من أرضهم وينسبهم مباشرة إلى عبيد السودان؟.. هذا من جهة.

و من جهة أخرى، يبدو من خلال ذلك اليوم الدراسي أن هناك "إجماعا" على أن الليبيين (الليبو أو الريبو) هم "الأمازيغ القدامى". وهذا ما تكاد تجمع عليه جميع الأدبيات الأمازيغية منذ ظهورها في ستينيات القرن العشرين.

تركز كتابات الحركة الأمازيغية على وصف "الليبو" أو "الريبو"، أو "الأمازيغ القدامى" بحسب التعبير المستحدث[16]، بسمات بيضاء، تماما كما تصورهم الوثائق المصرية القديمة. غير أن البحث في الموضوع يجعلنا نكتشف أنه يتم التركيز على معطيات بعينها  لـ"تبييض" تاريخ شمال إفريقيا، مقابل غض الطرف عن أخرى تخالف فكرة "التبييض" تلك وتنسفها من الأساس.

ففي نفس اليوم الدراسي، أشار باحث من ذات المعهد الأمازيغي في مقالة له بعنوان "صورة الليبيين (الأمازيغ القدامى) في المصادر الفرعونية"[17]، إلى أن أقدم أثر عن الليبيين في الوثائق المصرية يعود إلى حوالي 3200 ق.م. حيث إنها ذَكرت مجموعة "التيحينو"، ثم بعدهم بما يقارب ألف سنة (2300 ق.م.) ذَكرت مجموعة "التيميحو". وهنا تختلط الأمور، فيعمد الباحث إلى الاكتفاء بإلقاء بصيص ضوء على سمات "التيميحو" بالاقتصار على أن لهم عيونا زرقاء وليسو فرعا عن "التيحينو".

غير أن التفاصيل التي أربكت مجتمع العلماء المتخصصين في المصريات هي أن الوثائق المصرية الأولى تضع لمجموعة "التيحينو" سمات زنجية واضحة[18]، ولمجموعة "التيميحو" سمات قوقازية[19]. أي أن المجموعتين تختلفان عرقيا عن بعضهما تماما، وأنه لا قرابة بينهما[20]. ويدفعنا فرق "الألف سنة" بينهما إلى التساؤل: ألا يكون التيحينو (الأقرب للزنوج) مجرد مجموعة من الإثيوبيين الذين تحدث عنهم الكتاب القدامى؟ ثم ألا يكون التيميحو (البيض) مجرد وافدين جدد على المنطقة (غرب مصر على الأقل) دفعوا الإثيوبيين نحو الجنوب والشرق[21]؟

بالانتقال إلى القرن الخامس ق.م. مع المؤرخ اليوناني هيرودوت، نجده يقول: «ففي هذه الأرض [ليبيا] بقي لي أن أقول، وحسب معرفتنا، إنها مأهولة بأربعة شعوب لا أكثر: شعبان أصيلان وشعبان أجنبيان. الأصيلان هم الليبيون والإثيوبيون، يستوطن أحدهما شمال ليبيا والآخر جنوبها. الأجنبيان هما الفينيقيون والإغريق»[22]. غير أن مترجم نص هيرودوت (د. مصطفى أعشي) في تعليقه يربك القارئ: فهو مع إقراره بأن «الليبيين والإثيوبيين سكان أصليون في شمال إفريقيا»، فإنه بعد ذلك كأنه يُقصي الإثيوبيين بقوله: «إذا، خلال القرن الخامس ق.م.، وبالطبع قبله، كانت شمال إفريقيا يسكنها أهلها الأصليون، الأمازيغ [هكذا]»، إلى أن يقول: «فإن قارة ليبيا انفردت عن القارتين الأُخريتين [آسيا وأوربا] بكونها مجال مجموعة بشرية واحدة [هكذا] لها تاريخ مشترك»[23]. ونفس هذا الارتباك نحس به في صفحات أخرى من الكتاب، مثل قوله: «و تبعا لما ذكره هيرودوت حول وحْدة عِرق سكان شمال إفريقيا (الأمازيغ)، فإن سكانها، ذوو البشرة البيضاء أمازيغ بالطبع، يتميزون عن العناصر البشرية الأخرى أيضا، وخاصة الفينيقيين والإغريق (VI، 197) الذين كانوا يحتلون بعض المناطق في أرض الأمازيغ. وهذا تأكيد ضمني للوحدة الإثنية للأمازيغ سكان شمال إفريقيا من النيل شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا»[24]. هكذا إذن، فهو يذكر الإثيوبيين ضمن مجال شمال إفريقيا حينا، ثم كأنه يخرجهم من الخريطة حينا آخر. لهذا نجده في موقع آخر من الكتاب ينقل ما ذُكر عن وجود إثيوبيين بيض[25]، كأنه بذلك يوحي لنا بأنهم أيضا مجرد ليبيين، أي أنهم "أمازيغ". على أن الجدير بالذكر هنا بالذات، هو أنه قد سبق للمؤرخ الفرنسي (Stéphane Gsell) سنة 1918 أن صَحَّح هذا الخلط الذي يقع فيه من يقرأ للكُتّاب القُدامى عند حديثهم عن "الإثيوبيين البيض"، ذلك أن من العادات التي دَرجت عليها الشعوب السوداء لإفريقيا صباغة أجسادها بالأبيض أو الأحمر؛ كما نوه ذات المؤرخ إلى أن من عادة الكتاب القدامى عند ذكر اسم "الإثيوبيين" أنهم يقصدون بذلك "السود" مباشرة دون غيرهم[26]. وكتب شيخ أنتا ديوب أن الإثيوبيون هم أقرب من حيث القَسَمات إلى قَسَمات الزنوج، وشعورهم قد تكون مجعدة بقدر أقل[27]. وهذا ما يؤكد عليه كذلك ما نقلناه سابقا عن الباحث المحفوظ أسمهري، أن «النوبي (الإثيوبي) له سُحنة سوداء، لدرجة أن الفنان لم يبين حلمة ثديه كدليل على درجة سواد البشرة».

إن الربط المباشر ما بين "الليبيين" (الأسلاف) و"الأمازيغ" (الأحفاد) وليبيا (شمال إفريقيا) الذي تؤكد عليه كتابات الحركة الأمازيغية يضع القارئ في حيرة من أمره من تحديد وضعية "الإثيوبيين" (و أحفادهم حاليا)، هل هم داخلها أم خارجها؟ هل ينتمون إلى جسد هذه الأمة أم لا؟

بحسب (Stéphane Gsell) فإن هيرودوت قال بوضوح أن سكان ليبيا المحليون هم الليبيون في "الشمال"، والإثيوبيين في "الوسط"[28]. ويدقق أنتا ديوب بالقول أنه بحسب ما يفيدنا به هيرودوت، فإن الليبيين "البيض" كانوا موزعين على "الساحل الشمالي لإفريقيا"[29]؛ بما يعني أن الإثيوبيين كانوا يستوطنون جنوب الشريط الساحلي، وهو المجال الأوسع، أي الصحراء الكبرى. وفي تحديد (Stéphane Gsell) لحدود شمال إفريقيا في كتابه عن "تاريخ شمال إفريقيا القديم"، نجد أن الحوافّ الشمالية للصحراء الكبرى هي الحدود الجنوبية لشمال إفريقيا: فكأن بلاد البربر هي مجرد شبه جزيرة صغيرة جدا يَحُفها البحر شمالا وغربا، والصحراء الكبرى بدءا من السفوح الجنوبية لجبال الأطلس.

فماذا عن هذه الصحراء؟ هل كانت خلاءً؟ ومن هم هؤلاء القوم الذين بصموا آثارهم على صخورها؟

بحسب (Stéphane Gsell)، وبعد فحصٍ وتدقيقٍ، فإن «الإثيوبيين في العهد التاريخي كانوا مقيمين بالجهات الصالحة للسُّكنى من الصحراء جنوبي أرض المغارب. ولا شك أن الأمر كان كذلك في أزمنة أبعد. ورغما عن انعدام البراهين، فبإمكاننا أن نقبل بكون رسوم الصحراء وجنوب المغرب، وربما حتى رسوم الجنوب الوهراني قد أنجزها رجال من السود»[30].

إنه إذا كان الباحث في معهد الثقافة الأمازيغية يَنْسُب سكان الواحات قَسْرًا لتجارة الرقيق، فإن المؤرخين ينسبونهم إلى الإثيوبيين[31] الذين كانوا يستوطنون الصحراء منذ عهود قديمة[32].

فهل كان هؤلاء الإثيوبيون مجرد سكان طارئين على المنطقة؟

بحسب (Stéphane Gsell)، فإن كثيرا «من الشهادات تؤكد أن أرض المغارب في العُهود العتيقة كانت مُحاطَةً من جنوبها بالإثيوبيين، الذين ذُكروا أحيانا بأنهم الإثيوبيون الغربيون. وقد صرّح سترابون أنه لا يستطيع ذكر الحدود بين إثيوبيا وليبيا، وذلك حتى في المناطق التي بجهة المحيط. ومع ذلك، فيمكن أن نستخرج من النصوص بعض المعلومات الدقيقة إلى حد ما»[33].

ويكفي أن الكُتاب القدامى قد سجّلوا امتداد وجودِ الإثيوبيين فيما قبل الميلاد إلى وادي درعة[34] عند سفوح الأطلس، بل وحتى موكادور (الصويرة)[35]. ويمكن أن نقول هنا (على الأقل) أن ما يقارب النصف الجنوبي للمغرب (بما فيه الجنوب الشرقي، وسوس على الأقل)، وثلثي الجزائر جهة الجنوب، وأكثر من نصف تونس جهة الجنوب، وكامل ليبيا وموريطانيا، كانت كلها مَواطن للإثيوبيين منذ القديم.

و بخصوص درعة، موطن آيت عطا، ننقل عن الدكتور أحمد البوزيدي (المنحدر من المنطقة ذاتها) قوله: «نستفيد من المُدَوّنات التاريخية أن السكان الأوائل بواحاتِ درعة كانوا يُعرفون في العصور القديمة بالدرعِيين (Daratites) بصفتهم سكان درعة، ويُنعتون بالإثيوبيين الدرعيين أو بالكوشيين، وكان هذان النعتان وصْفًا للمجموعات البشرية السوداء التي قد عمّرت منذ أزمنة غابرةٍ الأطرافَ الشمالية للمجابة الإفريقية الكبرى، ومناطق الواحات بالجنوب المغربي من توات شرقا إلى وادي نول غربا»[36].

لم يجد (Stéphane Gsell) في دراسته بُدًّا إلّا أن يخلص بأن الإثيوبيين كانوا «يجاورون أرض المغارب مباشرة، ويسكنون جميع الأقسام الصالحة  للسكنى في الصحراء الكبرى. وكانوا على وجه العموم سادة الجهات التي كانوا يقيمون بها. وبعد ذلك بكثير ـ ولا ندري متى وكيف حصل ذلك ـ استولى عليهم البربر وطردوهم جزئيا[37]، وانتشرت قبائل البربر بجميع الصحراء، وحتى خلف مُنعطف نهر النيجر»[38].

هل يمكن أن نتقدم خُطُواتٍ أخرى نحو الشمال متجاوزين الحَوَافَّ الشمالية للصحراء الكبرى؟

قال (Stéphane Gsell)، بعد فحصٍ وتدقيق للمعطيات التي كانت بين يديه كعادته: «إذن هناك بعض العلامات الدالة على وُجود إثيوبيين أهليين بالتّل [أقصى شمال الجزائر نحو الساحل] في عصر ما قبل التاريخ، وفي العصور التاريخية، وربما حتى في أيامنا. فهل يجب أن نعتبرهم أقدم سكان شمال إفريقيا؟ وهل يكون أجداد البربر طردوهم، فلم يثبتوا إلا في الجبال الممتنعة، وفي الحاشية الجنوبية للمنطقة التي ربما كانوا من قَبْلُ سادَتَها المنفردين بها؟ يمكن أن نفترض ذلك، وإن كانت الحقيقة هي أننا لا نعلم شيئا»[39].

سبق للدكتور مصطفى أوعشي أن عبر عن رأي قريب إلى هذا سنة 1984، فتحدث عن احتمال وجود عنصر أصلي، لم يُحَدِّد ماهيته، سابقٌ للعناصر الجديدة التي أطلقت على نفسها اسم "أمازيغ". «و وجود تسمية "إنسان حر" تدعو منطقيا إلى التفكير في تواجد إنسان "مستعبد"»[40].

فمن هو يا ترى ذلك "العنصر الأصلي" الذي ظلت تلاحقه صفة "العبودية" منذ ذلك التاريخ إلى اليوم؟ من هو ذاك العنصر المرشح الأكبر لهذه الوضعية؟

يُقِرُّ أحد كتاب الحركة الأمازيغية بوجاهة فكرة أن «الأمازيغ ليسو بسكان المغرب الأولون، بل كانت قبلهم أقوام انقرضت لا نعرف عنها الكثير» (الفكرة التي جاءت على لسان الباحث الأنثربولوجي عبد الله حمودي)، ذلك أن هذا «يرتبط بسؤال الزمن الملغز وكرونولوجيته المفتوحة، وصعوبة الحسم في من الأول والأقدم، فرغم أنه لكل لاحقٍ سابق، فمن الممكن أن يكون للسابق أسْبَق، وهكذا دواليك...»[41]. ويبدو وكأنه أحَسّ بالحرج من إقصاء الإثيوبيين من المشهد الجغرافي التاريخي لشمال إفريقيا، فجاء بما يزيد من خلط الأمور. فهو عندما استشهد بنص هيرودوت (سالف الذكر) الذي يذكر الجنسين الأصليين لليبيا (الليبيون والإثيوبيون)، أضاف من عنده بين قوسين للتوضيح بأن الليبيين يُقصد بهم "الأمازيغ البيض البشرة"، والإثيوبيين يُقصد بهم "الأمازيغ ذوي الملامح الزنجية"[42]. فلا  ندري كيف خرج عن إجماع زملائه في الحركة الذين يَحْصُرون "شرف" الانتماء إلى "الأمازيغ" في "الليبيين" فقط، تماما كما صَوّرتهم جِداريات الفن المصري القديم بنصاعة بياضهم[43] المُشْرَب بالحُمرة؟!.. ولَكَمْ ستندهش أعين "أمازيغ" جنوب شرق المغرب وتفغر أفواههم بسماع أن هناك "أمازيغا سودا و بملامح زنجية"!!... ولَكَمْ ستندهش أعين المتخصصين وتفغر أفواههم مما كتبه نشطاء آخرون عن إنسان إيغود بعد سنة 1917، وجعلوا منه الجَدّ الذي ينحدر منه "الأمازيغ"[44]، وانطلقوا بتأثير من نشوة ذلك الاكتشاف في جرد الفرضيات التي تجعل من إنسان إيغود مركز انطلاق البشرية جمعاء وأب الحضارات[45]!!.. هذا مع العلم أن الذين أشرفوا بأنفسهم على الدراسة الخاصة بإنسان إيغود قد حَذّروا من التسرع في استصدار الأحكام. فبحسب ( Jean-Jacques Hublin): «لا يمكن تحديد موقع واحد ووحيد ظهر فيه الإنسان العاقل وترعرع وتطوّر فيه قبل أن ينتشر في أماكن أخرى. فالتاريخ القديم، على مدار عشرات ومئات آلاف السنين مٌتشابك ومُعقد. تعقيدٌ لا يمكن حلحلته استنادا على آثار وبقايا جُزْئِية للغاية وقليلة نسبيا لا تُعبّر عن النشاط البشري في كل أنحاء العالم عبر مختلف العصور [...]. فمواقع عديدة في العالم تبقى خالية من أي تنقيب أثري وأنثروبولوجي نظرا لانعدام الأمن أو لانعدام الإمكانيات أو لضعف النشاط الأكاديمي فيها»[46].

و حتى اللجوء للاستشهاد بالدراسات الوراثية (ذات الطابع التجاري الموجهة للأفراد)، التي يُروِّج لها نشطاء الحركة الأمازيغية بقوة لإثبات براءة سكان المغرب من "دنس" الدماء العربية، لا يقل التباسا عن ذلك: فعلم الأنساب الوراثي بحسب أستاذ القانون الأمريكي، (Henry Greely)، لا يخلو من عيوب وجب الانتباه لها. فـ«نظرًا لأن علم الوراثة القائم على الحِمض النووي (DNA) الميتوكوندري أو الحمض النووي للكروموسوم (Y) يتتبع خَطَّا واحدا فقط للنسب؛ فهو يُغفل الغالبية العُظمى للعدد الإجمالي لأسلاف الشخص. إذا عُدنا عشرة أجيال للوراء، أي حوالي 300 سنة، نجد أن اختبار الحمض النووي الميتوكوندري أو الحمض النووي الخاص بالكروموسوم (Y) يكشف معلومات عن حوالي 1 من 1024 من إجمالي الأسلاف في ذلك الجيل، فيما تُغْفِل الاختبارات بقِيّة الأسلاف الآخرين. إن اختبارات الحمض النووي مثل هذه يمكنها أن تخبرك الكثير عن نسبك، ولكن لا بد أن تكون واعيا بما لا "يمكنها" أن تخبرك به»[47].

و بحسب أستاذة الأنثروبولوجيا الأمريكية، ديوانا فولويلي: «هذه الأنواع من الاختبارات "تحديد الأصل وفقا للحمض النووي" يمكن أن تقدم بعض المعلومات عن الواسمات الجينية التي يشترك فيها الشخص مع الناس حول العالم. غير أن هذه المادة المشتركة في الحمض النووي ليست بالضرورة أن تكون من سلف مشترك، وهو ما يعد العنصر المضلل هنا؛ فالكثير من الناس حول العالم، في الواقع، "يشتركون في حيازة" واسمات من شتى الأنواع لكثير من الأسباب الإيكولوجية والتطورية المختلفة»[48].

و في دراسة حديثة في ليبيا عُثِر فيها على جثتين يعود تاريخهما إلى 7000 سنة، سُئِلَت واحدةٌ من أعضاء فريق البحث (ندى سالم) عمّا إذا كان تحليل الحمض النووي للجثتين كافيًا لاستخلاص استنتاجات قابلة للتعميم، فكان جوابها: «الإجابة عن هذا السؤال تحمل وجهين: فمن ناحية، يمكن أن نقول: "نعم"، لأن الجينوم ليس مجرد لقطة خاطفة، بل هو سجل للوراثة البيولوجية المتراكمة على مدى آلاف السنين، لذا حتى جينوم واحد يمكن أن يكشف عن رؤى قيِّمة في تاريخ السكان؛ ومن ناحية أخرى، يمكن أن نقول: "لا"، لأن الصحراء الكبرى شاسعة ومتنوعة، وربما لا تُمثل عيِّنة واحدةٌ من منطقة واحدةٍ المنطقةَ بأكملها»[49].

بعد كل ما سبق، لا بد أن نقف عند إحدى ثغرات الخطاب الأمازيغي منذ نشأته: فَشِدَّة الحماسة تُخرجه عن جادّة الموضوعية والعِلمية، فتجعله أقرب إلى الغَوْغائيِة التي تُنْتج وتنشُر التضليل، وخاصة عندما تجد تلك الغوغائيةُ دِعايةً إعلاميةً قوية.

من وجهة نظر تاريخية، فإن مسلسل التضليل هذا قد انطلق مع الاحتلال الفرنسي لشمال إفريقيا عبر نَهْج "السياسة البربرية"[50] التي استهدفت (أول ما استهدفت) منطقة القبايل بالجزائر والأطلس المتوسط بالمغرب، وأشاعت عددا من الأساطير التي ما نزال نسمع رجعَ صدًى لها في الكثير من أدبيات الحركة الأمازيغية إلى اليوم.

ثم تَوَاصَلَ مسلسل التضليل (و تراكُمِ الأخطاء) على أيدي "أمازيغ" أنفسهم، مع إحداث "الأكاديمية البربرية" في باريس سنة 1966. فبحسب الباحث الجزائري سالم شاكر تميّز التيار الأمازيغي الذي نشِط من حول "الأكاديمية البربرية" في الستينيات والسبعينيات، ومن خلال منشطيه الذين كانوا في أغلبهم مجرد "مناضلين سياسيين"[51]، بكونه «توجهٌ قوميٌّ واضح، أي "أمة أمازيغية" مقاومةٌ للهيمنة العربية، في حين أن التكوين العلمي الخاص لأفرادها في الأمازيغية جِدّ ضعيف على العموم»[52]. ولقد سبق أن عبّر المؤسس الأبرز لتلك الأكاديمية، "محند أعراب بسعود" نفسُه، صراحةً عن تَهَكُّمِه على حَمَلَة الشواهد، "النخبة المثقفة"، "مؤْثري الأرائك" حسب وصفه، ممن شاركوه في تأسيس الأكاديمية. ثم يعترف بالقول: «لكني وجدت الجدْوَى في هؤلاء الرجال من خلال تزيينهم للقطعة المسرحية التي أَؤَدّيها. فقد كان يكفي أن تقول لأي شخص بأن الجمعية تضم في صفوفها أساتذة، وأطباء، وصيادلة... لكي يتحول التخوف إلى تفهم، أو حتى انخراط»[53]. وقد وصف بسعود هذا كتابَ "قواعد اللغة البربرية" الذي ألفه زميله في الأكاديمية، الصيدلي "محند السعيد حنوز"، بأنه مجرد "سُخفٍ" لا يليق به إلا أن "يُرْمى في سلة المهملات"[54]. ورغم اقتناع الصيدليِّ بسُخفِ كتابه، فإنه أصَرّ على الترويج له قائلا: «فلنبع هذا، ثم ننجز آخر!»[55]...

لهذا نفهم جُملة الأخطاء العلمية التي أسست لها تلك الأكاديمية، وأشاعتها الجمعيات التي تأسست بعدها، فما تزال تلوكها الألسن وتخطها أقلام "المناضلين المتحمسين" إلى حد الساعة. وإن مما يُؤْسف له، أنه حتى بعضا من الذين كان من المفترض أن يلتزموا بقواعد البحث العلمي الرصين والموضوعي لم يسْلموا من لَوْثَة هذا الخطاب الغَوْغائي. لهذا نفهم تلك الخِشية التي عبّر عنها متخصصون في مجتمعات أخرى من أن عنصرية أكاديميين يمكن أن تُوَلِّد عنصريةً مقابلةً يقودها أكاديميون آخرون مضادين لهم[56].

لهذا لسبب، فإننا نرى أنفسنا مُضطرين لإبداء موقف التحفظ من مُخْرَجات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فيما يتعلق بتاريخ المغرب (على الأقل)، والتحفظ مما يصدره الباحثون المحسوبون على الحركة الأمازيغية في هذا الشأن[57]. ونؤكد على أهمية وراهِنِيَّة طموح عبد الله العروي: «لو كان عندنا معهد يجتمع فيه باحثون من شتى التخصصات، يعرفون المحيط الطبيعي والوثائق المحلية معرفة دقيقة، ويتحلون بالذهنية النقدية الصارمة وبالحماس الذي يميز دعاة التاريخ الشامل [...]، لكان من مسؤولية ذلك المعهد أن يقدم للمغاربة مؤلفا شاملا يلخص نتائج ما أنجز من بحوث وكشوف»[58]؛ ويؤكد الفائدة من مثل هذا المشروع الطموح بالقول: «سيكون التأليف التاريخي الجديد عملا جماعيا، يتعاون فيه باحثون من جميع التخصصات، يراقب بعضهم البعض»[59]، ونشدد على قوله "العمل الجماعي" وأن "يراقب بعضهم بعضا"؛ وننظر إلى "المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب" (التابع لأكاديمية المملكة) أنه يمكنه أن يكون الأقرب إلى تجسيد هذا الطموح.

و إنه، إن كان هناك من شيء يجب أن تقوم به الحركة الأمازيغية حاليا، قبل أن تفكر في أي شيء آخر يتعلق بمشاريعها، فهو: وَقْفَة تأمُّلٍ عميقة ومتأنية لمراجعة كافة مخرجاتها السابقة، وفحصها والتدقيق فيها، وتصحيح ما راكمت من أخطاء فيما أثثت به "مشروعها القومي"[60]... وإنه إن كان يَحِقُّ لها أن تعرض "بضاعتها" على الجمهور، فإن من حق هذا الجمهور عليها أن تحترمه بعرض "بضاعةٍ ذاتِ جودة"...

 

(4) ــ عوْدٌ على بَدْء:

هل المغاربة جميعا "أمازيغ"؟

بمعنى: هل المغاربة جميعا "بيض"؟

كان جواب الشيخ المسن العارف بثقافة قومه كما توارثتها الأجيال واضحا..، إنه: «لا!..».

فهل تَعَمّدت الحركة القومية الأمازيغية منذ نشأتها  تَجَنُّب الحديث عن معنى "البياض" في معنى "أمزيغ"، حتى وإن كانت أدبياتها لا تتحدث عن الليبيين بصفتهم "الأمازيغ القدامى" إلا بكونهم "بِيضًا"؟ وأي خلط هذا الذي أوقعنا فيه من يريد أن يخترع "أمازيغ ببشرة سوداء و ملامح زنجية"؟

ألم يكن مؤسسو الخطاب الأمازيغي يدركون ذلك؟ ربما.. فالقبائليون في الجزائر لم يكن لهم عِلمٌ مسبق بكلمة "أمزيغ"، وإنما أخذوها عن بربر المغرب[61]. وبخصوص نشأة هذا الخطاب في المغرب، فقد شهد انطلاقته من المدن الكبرى، وليس من البوادي؛ لذلك فقد وجد نفسه (ربما) بعيدا عن إدارك المعنى الذي تحمله كلمة "أمزيغ" في النسق الاجتماعي للبادية المغربية، فلا يدرك بذلك عُمق الألم الذي تُحدثه الكلمة العنصرية الإقصائية "أمزيغ" في نفوس من تُرفع في وجوههم من أحفاد الإثيوبيين. غير أن تأكيد الأدبيات الأمازيغية على ربط تاريخ شمال إفريقيا بالليبيين وحدهم يُرجح فرضية أن الحركة الأمازيغية منذ نشأتها لا تنظر إلى سُودِ المنطقة إلا على أنهم جميعا مجرد وافدين جدد، تم استقدامهم إلى بلاد المغرب في إطار تجارة الرقيق. وتذهب بعض الكتابات إلى حد تأويل نص هيرودوت السالف الذكر بزحزحة الإثيوبيين عن شمال إفريقيا بعيدا نحو جنوب القارة[62]!.. ويعمد "أمازيغيٌّ" متطرف آخر[63] ذو نزعة انفصالية واضحة إلى نشر صور سياسيين ونقابيين مغاربة ذوي سُحْناتٍ داكنة مع تعليق يقول فيه: «بالله عليكم، هل هؤلاء مغاربة حقيقيون كي يحق لهم أن يتكلموا عن المغرب [...]. ألا ترون أن هؤلاء مجرد بقايا من عبيد البخاري من خلال وجوههم السوداء التي يطغى عليها الشَّرُّ والطغيان، مكانهم الحقيقي والطبيعي هو السودان وليس المغرب، ليس هذا من باب العنصرية أو الميز العنصري، بل بكل بساطة لأنهم مهاجرون للمغرب، ودُخلاء على المغاربة، بل لأنهم مجرمون متضلِّعون في الجرائم التي ذهب ضحيتها المغاربة الأصْليون الأحرار...»!!.. قد يجادل البعض بأن هذا مجرد كلامٍ شاذٍّ معزول، غير أن ما سبق أن نقلناه عن بعض الأكاديميين المحسوبين على الحركة الأمازيغية يفيد بأنه "الخطاب الشائع" داخلها بشكل ضمني مُضمر قد يتخافت به البعض، ولم يشذ عنه ذاك الشخص إلا بالتصريح العلني.

هل تَخلصّ "شَرَفُ" الانتماء لـ"الأمازيغ" من طَوْق المفهوم العنصري العرقي واتسع نحو آفاق المفهوم الثقافي الحضاري؟.. واقعُ الحال يُكذِّب ذلك كما تشهد عليه وقائع مشاريع الزواج المختلط التي يتم إجهاضها.

ثم، ألم يكن خطاب "القومية العربية" نفسُه يُشدد على أن الانتماء لـ"العروبة" هو انتماء ثقافي حضاري، وليس عرقيا..، فكان الرد الحاسم لخطاب "القومية الأمازيغية" هو الرفض المطلق للدخول تحت عَباءَة هذا الانتماء، واعتبار ذلك "انتسابا للغير" و"إلحاقا" و"استلابا"... فكيف يستقيم أن يرفض "الأمازيغ"، أحفاد "الليبيين"، الانتساب للعرب، ثم يُقبل أن يُلْحِقوا بنسبهم "أحفاد الإثيوبيين"!..

ألم يقل محمد شفيق في "نداء تيموزغا": «و كان القصد من هذه الجهود غير الشريفة هو إذابتنا في النسيج العربي، ومحو كياننا الأمازيغي، وصهر خصوصيتنا العرقية حتى نصبح جزءا من وطن كبير يمتد حسب الإيديولوجيات العربية "من المحيط إلى الخليج"، وهو ما يعتبر في اللغة العالمية لحقوق الإنسان نوعا من "الإبادة الثقافية"..»[64]. ألا يمكن أن يَرُدَّ "أحفاد الإثيوبيين"[65] بنفس الكلام على هذا النداء وعلى خطاب الحركة الأمازيغية عموما؟

ما موقع أحفاد الإثيوبيين في خطاب الحركة الأمازيغية؟.. إنه لا شيء يُذكر، أو محاولات إلحاق مُتَعَسِّفةٍ فاشلة، ويبقى الأصل والمرجع هو ذالك "الليبي الأمْغر" "الأمازيغي القديم"، صاحب البشرة البيضاء المُشربة بالحُمرة... ذلك الجميل النبيل.

أَتُرانا في حاجةٍ إلى عبث إحداث "حركة قومية للسود" لرد الاعتبار لأحفاد الإثيوبيين على غرار "الحركة القومية الأمازيغية" التي قامت بدعوى رد الاعتبار لأحفاد الليبيين، فتستمر عمليات التفكيك والتفتيت إلى ما لا نهاية[66]!..

خلاصة القول: أننا جميعا في عصرٍ جديدٍ نريد أن نتجاوز فيه بقايا الجاهلية[67] في شتى صورها..، ومن ذلك أن نُقْبِر كل المفاهيم التي تجرنا إليها، ونَكُفّ عن محاولة بعث الحياة في جثثها المتحللة المتعفنة. وإنه إذا كان جليًّا الأذى والألم الذي يتسببُ فيه تداول كلمات من قبيل "حرطاني"، و"أَسُوقُويُ"، و"إسْمَخ" لارتباط ذكرها باستحضار وضع اجتماعي متدني وتاريخ من الظلم الذي تعرض له أحفاد الإثيوبيين في بلاد المغرب على مر التاريخ..، فإن كلمة "أمازيغ" تنحدر من نفس المعجم، وهي نفسها تتسبب في نفس الأذى والألم، لأن ذكرها يستحضر مباشرة وضعا اجتماعيا مستعليا مزهوا بخِلْقَته وتاريخا خُلْوًا من أيِّ نُبل تجاه خِلْقةِ الله الأخرى[68].

كما يجب الكفُّ عن نَسْبِ كل شيء لـ"الأمازيغ أحفاد الليبيين"، من قبيل: "الشعب الأمازيغي"[69]، و"بلاد تمازغا"[70]، و"اللغة الأمازيغية"[71]، و"التقويم الأمازيغي"، والعَلَم الأمازيغي"..، والكفُّ بذلك عن محاولات إسباغ "البياض" على كامل أرجاء هذه الأرض[72]، وكأنه لم يستوطنها قَطُّ أي عنصر آخر غير العنصر الأبيض (الأمازيغ)[73].

... لهذا، فإن كلمة "أمزيغ"، مثلُها مثل كلمات "حرطاني" وأسوقوي" وإسمخ"، ليست هي كلمة "السِّر" التي من شَأْنها أن تستجمع وِجْدان جميع المغاربة على قلب رجل واحد للنهوض بأوضاع هذا البلد نحو غد أفضل. ويكفينا القول أننا جميعا بنو آدم، سُودُنا وبِيضُنا..؛ وأنه لا فضل لأغمر (أحمر) على أسود...

و في انتظار أن نهتدي جميعا إلى كلمة "السِّر" الجامعة التي تُهْنا عنها..، فلا أقل ولا أكثر أننا جميعا في هذا الوطن مجرد "مغاربة"، والسلام.

 

 

 



[1]  ـ أنظر: "معلمة المغرب"، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، 1989. في الجزء الأول، كلمة "إمازيغن"،

[2]  ـ أنظر: "معلمة المغرب"، في الجزء الثالث، كلمة "إِمْزُوغ". ويميل اللساني المغربي أحمد العلوي إلى معنى "الأحمر" في مقالة له بموقع هسبريس بعنوان "هل الأمازيغ حِمْيريون؟".

[3]  ـ الحسين دمامي.

[4] - Mohand Akli Haddadou, « Dictionnaire Des Racines Berberes Communes », Haut Commissariat à l’Amazighté, Algérie, 2006/2007, P. 244.

[5]  ـ المحفوظ أسمهري، "صورة الليبيين (الأمازيغ القدامى) في المصادر الفرعونية"، ضمن يوم دراسي: "صورة الأمازيغ في الكتابات الوطنية والأجنبية"، تنسيق علي بنطالب، (يوم 15 مارس 2018)، مركز الدراسات التاريخية والبيئية، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2020. ص 11.

[6]  ـ أنظر: "معجم قطر التاريخي للغة العربية".

[7]  ـ ونجد لهذا المعنى نظيرا في اللغة العربية: فقد اُستعمل لفظ "الأحمر من الأشخاص" للدلالة على "الأبيض المُشرب بالحمرة"؛ واُستعملت كلمة "الحمراء" للدلالة على العجم والموالي لغلبة البياض على ألوانهم؛ واُستعملت كلمة "الحُمرة" للدلالة على البياض المشرب باللون الأحمر. أنظر: "معجم قطر التاريخي للغة العربية".

[8]  ـ ونجد لهذا المعنى نظيرا في اللغة العربية: فمن معاني "الأبيض" النقيُّ العِرْضِ من الدَّنَّس والعُيوب. أنظر "معجم قطر التاريخي للغة العربية".

[9]  ـ نجد لهذا مثيلا عند الإنسان الأوربي، وحضارة الإنسان الأبيض على العموم، في علاقته بشعوب العالم الأخرى: فقد اخترع عالم التشريح الألماني ( Johann Friedrich Blumenbach) مصطلح "قوقازي"، واعتبر "العرق القوقازي" (الأبيض) "أجمل ما خلق الله من البشر". وفي تصنيفه للأعراق، جعل هذا العرق "خَلق الله الأصلي". أنظر: "آلان إتش جودمان" و"يولاندا تي موزس" و"جوزيف إل جونز"، "الأعراق البشرية، هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟"، ترجمة شيماء طه الريدي وهبة عبد المولى أحمد، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2019، ص 140. و ما يزال لجاذبية "السمات القوقازية" تأثير قوي في أمريكا (و الغرب عموما) بوصفها سمات الكمال ومرجع الجمال الذي تتطلع إليه نساء أمريكا بشتى الوسائل، حتى المؤلمة منها في إطار "صناعة التجميل" الضخمة!.. أنظر كتاب (The Beauty Myth) للأمريكية (Naomi Wolf).

[10]  ـ الحسن بن محمد الوزان الفاسي (ليون الإفريقي)، "وصف إفريقيا"، الجزء الأول، ترجمة: محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، 1983. ص 39.

[11]  ـ الحسن بن محمد الوزان الفاسي (ليون الإفريقي)، "وصف إفريقيا"، الجزء الأول، ص 39 ـ 40. مارمول كربخال، "إفريقيا"، الجزء الأول، ترجمة: محمد حجي ومحمد زنيبر ومحمد الأخضر وأحمد التوفيق وأحمد بنجلون، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مكتبة المعارف، الرباط، 1984. ص 115 ـ 116.

[12]  ـ يبدو لنا معنى "الحراثين" (الذين يحرثون) و"الحُرُّ الثاني" مجرد تفسيرات مُتكلَّفة وغير مُوَفقة، ما دام أنها حاولت أن تجد لهذه الكلمة أصلا في اللغة العربية، وغفلت عن أصلها المحتمل في البربرية بدرجة أَوْلى. أنظر: "معلمة المغرب"، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، 1998، في الجزء العاشر، كلمة "الحراطين". وبحسب الباحث شوقي الهامل فإن كلمة "الحراطين" المقتبسة من كلمة "أحرضان" الأمازيغية قد اُستعملت بحسب ما هو مُوَثّق منذ القرن الثالث عشر الميلادي في تافيلالت وأعالي الأطلس المتوسط والكبير والصحراء قبل مجيء الهجرات العربية (بني معقل على الخصوص) إلى المنطقة. أنظر: شوقي الهامل، "المغرب الزنجي، تاريخ العبودية والعرق ببلاد الإسلام"، ترجم أجزاء منه في حلقات: لحسن العسبي، موقع جريدة الإتحاد الإشتراكي (/https://alittihad.info)، في يوليوز 2021.

 

[13]  ـ ميمون أم العيد، "أمير زنجي ولص قاتل.. هكذا يرى صحافي فرنسي الباشا الكلاوي"، موقع هسبريس بتاريخ 30 يناير 2020.

[14]  ـ في ظل أجواء ما تزال منتشية باكتشاف إنسان جبل "إيغود".

[15]  ــ عزيز بن الطالب، "آيت عطا وأنماط التدبير السوسيومجالي بواحات الجنوب الشرقي، مقاربة جيوتاريخية وثقافية من خلال الكتابات الوطنية والأجنبية"، ضمن يوم دراسي: "صورة الأمازيغ في الكتابات الوطنية والأجنبية"، تنسيق علي بنطالب، (يوم 15 مارس 2018) مركز الدراسات التاريخي والبيئية، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2020. ص 296.

[16]  ـ يقول د. عبد اللطيف الركيك بشأن كلمة "أمازيغ" في ختام مقالة له: «إن وجود اسم قومي جامع لسكان شمال إفريقيا القديم أمر مؤكد، غير أننا نجهل، إذا نحن توخينا الموضوعية في هذا الجانب، تاريخ بداية استعمال هذه التسمية. ذلك أن الربط بين تسمية "أمازيغ" والتسميات القديمة الذي ذُكرت في المصادر الأجنبية يبقى هشّا ولا يحسم المسألة، وذلك باعتبار أن جميع تلك التسميات أطلقها المصريون والإغريق والرومان على أسماء قبائل بعينها ووقع تحديد مجال انتشارها بالضبط، ما يعني بأن الأمر يتعلق بأسماء قبائل، فلو كان الإغريق والرومان يعلمون بوجود اسم قومي لساكنة شمال إفريقيا القديم لما استعملوا أسماء مشتقة من لغاتهم مثل "الليبيين" و"الأفارقة" وغير ذلك. كما أن إرجاع تسمية "أمازيغ" إلى الفترة القديمة يتناقض مع اعتبار تسمية "ليبيين"، التي استعملها الأجانب، بمثابة تسمية محلية هي الأخرى، ما يعني وجود أمة بتسميتين مختلفتين». أنظر: عبد اللطيف الركيك، "اسم سكان شمال إفريقيا خلال الفترة القديمة"، موقع هسبريس بتاريخ 17 أبريل 2017

[17]  ـ المحفوظ أسمهري، "صورة الليبيين (الأمازيغ القدامى) في المصادر الفرعونية". ضمن يوم دراسي: "صورة الأمازيغ في الكتابات الوطنية والأجنبية" (مرجع سابق).

[18]  ـ شيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية" (1955)، ترجمة: حليم طوسون، مؤسسة هنداوي، 2023، ص 123 ـ 124 .

[19]  ــ يصف شامبليون عنصر التيميحو بالقول : «لون بشرته هو ما نطلق عليه لون اللحم، أو لون البشرة البيضاء في أرق تدرجاته، والأنف مستقيم أو مقوس قليلا، والعيون زرقاء، واللحية شقراء أو مائلة إلى الحمرة، والقامة طويلة..». أنظر: شيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية" (مرجع سابق)، ص 48

[20]  ـ لتوضيحات أكثر بخصوص الفروق بين التيحينو والتيميحو، أنظر على سبيل المثال: محمد بيومي مهران، "المغرب القديم"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990، ص 47 ـ 76. أحمد عبد الحليم دراز، "مصر وليبيا فيما بين القرن السابع والقرن الرابع ق.م."، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000، ص 30 ـ 36. أم الخير العقون، "دولة الأمازيغ في مصر الفرعونية 950 ق.م. ـ 715 ق.م."، دار القدس العربي، وهران، 2015، ص 24 ـ 33.

[21]  ـ تدفع المناظر المصورة على الحائط الجنوبي من معبد الملك "ساحورع" (الأسرة الخامسة) إلى الاعتقاد بأن "التيحينو" لجؤوا إلى مصر تحت ضغط زحف أقوام جديدة عرفوا باسم "التيميحو". أنظر: أم الخير العقون، "دولة الأمازيغ في مصر الفرعونية 950 ق.م. ـ 715 ق.م."، (مرجع سابق)، ص 113. وخلال هجوم قبائل الريبو والمشواش الليبية المتحالفة مع قبائل شعوب البحر على مصر في حوالي سنة 1188 ق.م. دخلوا أراضي "التيحينو"، وحاولوا إجبارهم على الانضمام إليهم في زحفهم على مصر، فلما رفضوا، ذكرت المصادر المصرية أنهم «انقضوا على بلاد التيحينو الذين أصبحوا رمادا، فقد خربت مدنهم، وأصبحت قفرا، ولم يعد لبذرهم وجود». (نفس المرجع)، ص 133.

[22]  ـ مصطفى أعشي، "أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الأمازيغ)"، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2008، ص 106.

[23]  ـ نفس المرجع، ص 106.

[24]  ـ نفس المرجع، ، ص 23.

[25]  ـ نفس المرجع، ، ص 107.

[26]  - Stéphane Gsell, « HISTOIRE ANCIENNE DE L’AFRIQUE DU NORD », TOME I, LIBRAIRIE HACHETTE, PARIS, 1918.P. 299.

[27]  ـ شيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية"، ص 51.

[28]  - Stéphane Gsell, « HISTOIRE ANCIENNE DE L’AFRIQUE DU NORD », TOME I, LIBRAIRIE HACHETTE, PARIS, 1918.P. 276.

[29]  ـ شيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية"، ص 124.

[30]  ـ اصطيفان اكصيل، "تاريخ شمال إفريقيا القديم"، ترجمة: محمد التازي سعود، أكاديمية المملكة المغربية، الجزء 1، الرباط، 2007. ص 222. ويتبين من خلال ما تم العثور عليه في الصحراء الكبرى أن سكانها كانوا زنوجا، من ذلك: أشكال أجسام النساء ذوات العجيزات المكتنزة، كما أن الهياكل البشرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ التي وجدت في الصحراء هي من النوع الزنجي (إنسان أسيلار المكتشف شمال شرق مالي) جنوب الصحراء. أنظر: شيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية"، هامش ص 34 ـ 35. و«نجد أن شمال إفريقيا قد ساهمت في تقديم أدلة أثرية ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ، تدل على مساهمتها في مرحلة الاستقرار وإنشاء القرى، كما أن هناك أدلة كثيرة على أنها كانت الموطن الأصلي للسلالات القديمة الإفريقية، حيث عثر على كثير من الرسوم الصخرية في الواحات الخارجة، موضحة أشكالا إنسانية ذات عجيزات متشحمة، مما يدل على أن السلالة البوشمنية كانت تتوطن في الصحراء الكبرى قبل تحركها نحو جنوب إفريقيا». أنظر: "الموسوعة الأفريقية"، المجلد الأول، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 1997، ص 35.

[31]  ـ أنظر على سبيل المثال: اصطيفان اكصيل، "تاريخ شمال إفريقيا القديم"، ص 241. وشيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية"، ص 90. ومصطفى أعشي، "أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الأمازيغ)"، ص 109.

[32]  ـ لتفاصيل أكثر بشأن "الحراطين"، أنظر: "معلمة المغرب"، الجزء العاشر، كلمة "حراطين".

[33]  ـ اصطيفان اكصيل، "تاريخ شمال إفريقيا القديم"، ص 242 ـ 243.

[34]  ـ نفس المرجع، ص 143 ـ 245.

[35]  ـ مصطفى أعشي، "أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الأمازيغ)"، ص 100.

[36]  ـ أحمد البوزيدي، "درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني، دراسة في الحياة السياسية والاجتماعية (1894 ـ 1935)"، فاس، 2009. ص 22.

[37]  ـ ألا يمكن الرجوع هنا على سبيل المثال إلى ما سبق ذكره عن زحزحة التيميحو (البيض) للتيحينو (السود) نحو الجنوب والشرق على الحدود مع مصر؟

[38]  ـ اصطيفان اكصيل، "تاريخ شمال إفريقيا القديم"، ص 245.

[39]  ـ نفس المرجع، ص 248.

[40]  ـ مصطفى أوعشي، "أصل أهالي شمال إفريقيا"، ضمن كتاب "مذكرات من التراث المغربي"، المجلد الأول، الجزء  الثاني، 1984. ص 101.

[41]  ـ رشيد الحاحي، "الهوية وقضايا الأمازيغية والإسلام السياسي والحريات"، منشورات درا ميديا، الدار البيضاء، 2018، ص 40.

[42]  ـ نفس المرجع، ص 41.

[43]  ـ المحفوظ أسمهري، "صورة الليبيين (الأمازيغ القدامى) في المصادر الفرعونية"، ص 23.

[44]  ـ سارع  د. عبد الله الحلوي، مأخوذا بنشوة اكتشاف إنسان جبل إيغود، ودون تقديم أية حجة علمية، إلى القول بأن "الأمازيغ" امتداد لإنسان "إيغود" في مقالته المثيرة "الأمازيغية أم لغات العالم". وإن كل ما نعلمه حاليا أن المتخصصين الذي تصوروا شكل إنسان "إيغود" تصوروه بملامح زنجية واضحة. أنظر على سبيل المثال: مقالة "علماء يكشفون عن وجه أقدم إنسان عاقل بكوكب الأرض عاش بالمغرب"، موقع هسبريس بتاريخ 21 يونيو 2024.

[45]  ـ أوْضَحُ الأمثلة على هذه النشوة التي أخذت بتلابيب هؤلاء إلى مستوى الخروج عن الاعتدال، نجدها جلية في سلسلة مقالات أطلقها د. عبد الله الحلوي تعلوها عناوين غاية في الإثارة، مثل: "الأمازيغية شفرة سرية تخترق لغات العالم"، و"الضمائر الأمازيغية: شفرة سرية في تركيب لغات العالم"، و"الأمازيغية تخترق الإنجليزية .. سرّ عدم مطابقة المكتوب للمنطوق"، و"أين اختفت الخاء في اللغة الإنجليزية؟ .. الأمازيغية تكشف السر!"، و"لماذا لا يوجد لفظ مؤنث لـ الملك في الإنجليزية؟"، و"التقويم الأمازيغي أصل التقويم الجيورجي"، و"الأمازيغية أم لغات العالم"، و"رد العربية إلى أصلها الأمازيغي". وكلها منشورة بموقع هسبريس.

[46]  ـ ربيع أوسبراهيم، "بعد اكتشافات تافوغالت، هل المغرب مهد الحضارة الإنسانية؟"، موقع فرنس 24 بتاريخ 15 نونبر 2024.

[47]  ـ "آلان إتش جودمان" و"يولاندا تي موزس" و"جوزيف إل جونز"، "الأعراق البشرية، هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟"، ترجمة شيماء طه الريدي وهبة عبد المولى أحمد، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2019، ص 308 ـ 309.

[48]  ـ نفس المرجع، ص 312.

[49]  ـ حازم بدر، "عمرها 7 آلاف عام.. العثور على سلالة بشرية مفقودة في ليبيا"، موقع الجزيرة بتاريخ 06 أبريل 2025.

[50]  ـ انظر للتفاصيل:

- Charles-Robert Ageron, «La France a-t-elle eu une politique kabyle ?», Revue Historique, T. 223, Fasc. 2 (1960).

- Charles-Robert Ageron, «La politique berbère du protectorat marocain de 1913 à 1934». Revue d’histoire moderne et contemporaine, tome 18 N°1, Janvier-mars 1971.

[51]  ـ هذا تعبير مؤدب منه للتورية عن معنى "الغوغائية" أو ما يصطلح عليه بـ"الديماغوجية".

[52]  ــ سالم شاكر، "إيمازيغن أسّا"، ترجمة عبد الله زارو، منشورات تاوالت، ص 39.

[53] - L’Hstoire de l’Acadimie Berbere (1966-1978) , Mohand Aarav Bessaoud , 2000. P 26.

[54] - Ibid, P 54.

[55] - Ibid, P 75.

[56]  ـ في مقابل عنصرية الأكاديميين الأوربيين في دراساتهم لآثار الشعوب الأصلية، عبّرَ متخصصون عن خِشيتهم من عنصرية مقابلة يقودها عدد من أبناء تلك الشعوب ممن تمكنوا من الانضمام إلى فِرَقِ علماء الآثار. ففي أمريكا الشمالية على سبيل المثال، نجد هناك مواجهة ما بين عنصرية ذوي الأصل الأوربي وعنصرية ذوي الأصل الهندي (الهنود الحمر). أنظر: "آلان إتش جودمان" و"يولاندا تي موزس" و"جوزيف إل جونز"، "الأعراق البشرية، هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟"، ص 95.

[57]  ـ على ذكر العنصرية والعنصرية المضادة من قبل الأكاديميين أنفسهم نورد هذا المثال: ففي تصنيف للطبيب الأمريكي (Samuel George Morton) للذكاء عن طريق قياس القدرة الاستيعابية للجماجم سنة 1839، جعل الجماجم القوقازية في قمة الذكاء، والزنجية في سافلته. غير أنه في مراجعة لعمله سنة 1981، «اتضح أنه تلاعب في النتائج باستبعاد الجماجم التي لم تتفق مع توقعاته». أنظر: "آلان إتش جودمان" و"يولاندا تي موزس" و"جوزيف إل جونز"، "الأعراق البشرية، هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟"، ص 76. و إنه بحسب ما توحي به الخطابات المنحازة لبعض الأكاديميين المحسوبين على الحركة الأمازيغية، فإننا لا نستبعد أن ينزلق أحدهم إلى الوقوع في ذلك التلاعب. وقد نبه د. عبد اللطيف الركيك في سياق مقالة له بشأن "الكتابة الليبية" بالقول: «إن تطوير البحث في تاريخ الكتابة عند الأمازيغ القدامى يتطلب تخليص تاريخ المنطقة ككل من الخلفيات الثقافية الأيديولوجية الهوياتية والسياسية، فالباحث لا يسعى لإسداء خدمة لأيٍّ كان حتى ولو كانت ذواتنا الثقافية الجمعية، ولا يكترث بإبطال الأطروحات التاريخية الأجنبية كهدف في حد ذاته، إنما يفترض أن يسعى أولا وأخيرا لمعرفة الحقيقة التاريخية إن وُجدت ومتى ما أمكن، على صِبْغتها الخام عاريةً تمامًا من اللَّبُوسات الإيديولوجية التي باتت تمثل عطبا في جسم البحث التاريخي». أنظر: عبد اللطيف الركيك، "كتابات اندثرت: "الليبية" كتابة الأمازيغ القدامى"، موقع هسبريس بتاريخ 05 دجنبر 2016.

[58]  ــ عبد الله العروي، "مجمل تاريخ المغرب"، الرباط، 1984. ص 28.

[59]  ــ نفس المرجع، ص 23.

[60]  ـ على سبيل المثال لا الحصر: كمُّ الأخطاء التاريخية والأنثروبولوجية الفادحة التي حاولت بها الحركة الأمازيغية التأسيس لإسباغ الشرعية على اختراعها لـ"السنة الأمازيغية". وقياسا على وصف مؤسس "الأكاديمية البربرية" لكتاب الصيدلي " في "قواعد اللغة البربرية" بأنه "سُخْف"، فإن هذا الحُكم نراه يصدق كذلك على إطار آخر من أطر تلك الأكاديمية، ألا وهو عمر نكادي الذي خرج لنا بـ"التقويم الأمازيغية" و"السنة الأمازيغية".

[61]  ـ بحسب سالم شاكر: فالقبائليون هم الأوائل السبّاقون إلى فكرة "الجامعة الأمازيغية" من خلال النهل من لهجات أمازيغية أخرى لإغناء القاموس القبائلي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك كلمتا: "أمازيغ ـ تمازيغت". فقد كان هذا التعبير، المغربي أساسا، مجهولا في الثقافة القبائلية التقليدية قبل سنة 1945، فلم يكن لديهم قبلها أي تعبير لنعت الأمازيغ والأمازيغية. ثم لم تلبث الكلمتان بعد عقود أن أصبحتا شائعتين وتحملان مضمونا حضاريا لشمال إفريقيا. أنظر: سالم شاكر، "إيمازيغن أسّا"، ترجمة عبد الله زارو، منشورات تاوالت، ص 82.

[62]  ـ مقالة بعنوان: "الرد على خرافة السكان الأصليين لشمال إفريقيا من الزنوج". موقع (https://origineamazigh.blogspot.com/) بتاريخ 21 غشت 2018.

[63]  ـ نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي بتوقيع: علي لهروشي، أمازيغي هولندي.

[64]  ـ جريدة العالم الأمازيغي، العدد 132، يونيو 2011.

[65]  ـ في موسوعة "معلمة المغرب": عمل محمد شفيق في تعريفه لكلمة "إمازيغن" على ضم الإثيوبيين والجرمنتيين (أو الغرمانت) إلى القبائل الأمازيغية، وهذا ما لا يتفق مع النصوص التاريخية المعتمدة، كما لا يتفق مع أدبيات الحركة الأمازيغية التي تحصر "الأمازيغ القدامى" في "الليبيين" فقط. ولقد وضحنا الأمر بخصوص الإثيوبيين. أما عن الجرمنتيين، فهم مجموعة من الإثيوبيين السود؛ وفي هذا يؤكد (Stéphane Gsell) أنه "لا بد من تصنيف" الجرمانتيين الذين سكنوا واحات فزّان منذ عهد هيرودوت ضمن الإثيوبيين. أنظر: النسخة العربية من الكتاب، ص 243 ـ 245. وبين أنه تم تصنيف الغرمانت ضمن الإثيوبيين من قبل (Solin)، و(Isidore de Séville)، و(Ptolémée)، و(Strabon)، و(Denys le Pèriégèle)، و(Pline) ووصفهم شاعر إفريقي بـ"السواد". وبخصوص مجموعة الغرمانت التي ذكرها هيرودوت وصنفها ضمن الليبيين الرحل وتسكن سرت؛ فإنه لا يبدو أن هناك ما يجمعها مع غرمانت فزان. أنظر النسخة الفرنسية من الكتاب، هامش ص 298.

[66]  ـ نتذكر هنا الانزعاج الشديد الذي عبر عنه د. عبد الله الحلوي في مقالته "أيديولوجية شريرة وحلف عسكري" سنة 2022، حيث إنه حَذّر في خاتمتها من نوايا الولايات المتحدة الأمريكية قائلا: «قبل أيام قليلة جاء سفير أمريكي (عضو سابق في حركة Black Lives Matter) إلى إحدى الجامعات المغربية يُحدِّث الطلبة عن "دَوْر السّود في التاريخ". مثل هذه "الأنشطة" تهدف إلى إسقاط الصراعات الداخلية التي يفتعلها الحزب الديمقراطي في حربه مع خصومه السياسيين على ثقافات أخرى لا علاقة لها بهذا الصراع. ينبغي أن نكون حذرين من هذه الأنشطة الملغومة». غير أن ما يجب أن ننتبه له هنا، هو أن ما قام به السفير الأمريكي يمثل إحدى تجليات "العنصرية المضادة" التي أشرنا إليها سابقا؛ و ننوه هنا إلى أن الترويج لهذه العنصرية المضادة التي تحمل راية "السود"، لا تختلف في شيء عن العنصرية المضادة الأخرى التي تحمل شعار "الأمازيغ"؟!..

[67]  ـ نتذكر هنا الحديث النبوي الشريف لأحد صحابته: "إنك امرؤ فيك جاهلية".

[68]  ــ العيب لا يقع على كلمة "أمزيغ" و"أحرضان"، فهما مجرد كلمتين للوصف على كل حال، مثلما نستخدم كلمتي أبيض وأسود لذات الغرض. غير أن ارتباط الكلمتين في سياقنا الاجتماعي بتاريخ عريق من التمييز العنصري والاضطهاد التي تعرض له السود على الخصوص مقابل استعلاء البيض، يجعل ذِكر الكلمتين مثار حساسية شديدة وأذى. وتزيد شدة الأذى عندما تصر بعض الكتابات على ربط وجود السود ببلاد المغرب بتجارة الرقيق.

[69]  ـ هذا نَفْيٌ لوجود شعب إثيوبي كان مجاورا لليبيين أو متشابكا معهم، وقد يكون هؤلاء الليبيون مجرد غزاة زحزحوه عن أرضه التي كان عليها.

[70]  ـ هذا نفي على أنها أيضا بلاد الإثيوبيين، وقد يكونون الأسبق إلى استيطانها.

[71]  ـ بخصوص اللغة البربرية، يرى (Lissauer) فرضية أنه كان هناك سكان إثيوبيون أولون يتحدثون اللغة التي تفرعت عنها اللهجات البربرية، تَمّ دَفْعهم نحو الجنوب من قبل غزاة (أسلاف القبائليين) قدموا من إسبانيا وتبنوا لغة المهزومين. أنظر: النسخة الفرنسية لكتاب (Stéphane Gsell)، الهامش ص 304. ومن الأمثلة المناقضة لذلك في مواقع أخرى من العالم: أنه من الفرضيات المطروحة بشأن انتشار اللغات الهندية الأوربية أن الهنود الأوربيين البدائيين لم يكونوا مزارعين في البداية، «بل كانوا خيّالة فيفاء في منطقة القرغيز شمال شرق البحر الأسود. ومنذ 6000 ق.م.، شن هذا الشعب من الخيالة أصحابُ القِيَم الحربية هجوماتٍ على شعوب مسالمة من المزارعين الذين كانوا يقدسون إلهةً أم، وهيمنوا عليهم وفرضوا عليهم لغتهم التي انتشرت لاحقا مع تقنيات الزراعة». أنظر: باسكال بيك ـ لوران ساغار ـ جيسلان دوهان ـ سيسيل ليستيان، "أجمل قصة عن اللغة"، ترجمة: ريتا خاطر، المنظمة العربية للترجمة ، بيروت، 2009.ص 119. وهنا من تبدوا لنا وجاهة الفرضيات الثلاث التالية: إما أن الوافدين الجدد فرضوا لغتهم، أو تبنوا لغة المهزومين، أو تولدت لغة جديدة جمعت بين لغتي الطرفين.

[72]  ـ مما قاله الفنان التشكيلي مبارك بوحشيشي الذي ينحدر من واحة أقا بطاطا في هذا الشأن: «إن هذا المغربي يجد نفسه مُشَوَّشا في هُويته، لا يعرف إن كان عربيا أو أمازيغيا أو إفريقيا أو أوروبيا. إنه مفتون بالبياض: بياض الأفكار وبياض البشرة. البياض من حيث التسلسل الهرمي للأعراق، والبياض كتفوق على الآخرين، أيْ محاولةٌ  لتموضع الذات». ثم أضاف قائلا: «المغرب أسود!  أريد أن أقول ذلك مرارا وتكرارا… إن المغرب أسود، والقضية التي نواجهها هي أن أيّ شخص أسود يعيش في المغرب، يقال إنه جاء من إفريقيا ومن جنوب الصحراء؛ وهنا الخطأ. أنا من هنا. أنا هنا. وهذا شيء يجب إصلاحه، فربما يكون الآخر هو من هاجر وجاء إلى هذه البلاد. أيّ حق يمتلك الآخر ليقول لي إنني مهاجر وأنني جئت من مكان آخر؟ عملية التبييض هذه بالنسبة لي هي مشروع لإنشاء "جنوب البحر الأبيض المتوسط" لأن البحر الأبيض المتوسط ​​يحتاج أن يبقى أبيضا [...] [و الغرب يريد] إنشاء جزيرة في إفريقيا، تدعى "شمال إفريقيا"، وأن تكون هذه الجزيرة أيضا ذات لون أبيض، لضمان إيديولوجية استعمارية… لتأكيد أن البحر الأبيض المتوسط ​​ينتمي إلى أوروبا". أنظر: في حوار مع الفنان التشكيلي مبارك بوحشيشي حول الفن والعرق أجرته أمينة العلوي السليماني، نشر في موقع مرايانا (https://marayana.com) ما بين غشت وشتنبر 2025. وفكرة الإصرار على تبييض شمال إفريقيا هذه هي نفسها التي سبق للمؤرخ السينغالي شيخ أنتا ديوب أن حاول التصدي لها بدءا من كتابه (Nations nègres et culture noire d'aujourd'hui) الصادر سنة 1955. ويبدو لنا أن الحركة الأمازيغية قد انخرطت بقوة في مخطط التبييض القسريِّ هذا بتأثير من الأساطير التي أسس لها الاحتلال الفرنسي؛ هذا مع العلم أن الفرنسيين أنفسهم هم الذين أسسوا لكل من "تاريخ مصر القديمة" و"تاريخ المغرب القديم"، وأسبغوهما معا بالبياض الذي يتسق مع فكرة "مركزية الغرب"، بصفة الغرب الشمس التي تدور في فلكها كواكب مظلمة، لهذا لا نستغرب عندما يتحدث مؤسس علم المصريات، الفرنسي (Jean-François Champollion)، في رسالة له سنة 1839 عن "التيميحو" (الليبيون) بكونهم الأوربيين، أو كافة الشعوب الشقراء وذات اللون الأبيض التي تسكن أوربا أو انطلقت من آسيا؛ ثم يتحدث عنهم بكونهم "الأسلاف القدامى الحقيقيين للأوربيين". أنظر: شيخ أنتا ديوب، "الأصول الزنجية للحضارة المصرية"، ص 49.

[73]  ـ كانت الدراسات الجغرافية إلى عهد قريب تصبغ شمال إفريقيا عموما بالبياض، فتفصله جملة وتفصيلا عن إفريقيا السوداء. وفي ذلك تعسف شديد على واقع الحال: فشمال إفريقيا ما هو إلا امتداد للقارة الإفريقية، وأن سكانه ليسو بيضا، وإنما هم درجات من الدُّكنة، تكون عموما شديدة جنوبا، و تَخِفُّ في اتجاه الشمال. وتبقى مسألة اللون هذه نسبية على كل حال: فالمغربي الذي يحسب نفسه أبيضا، وينظر لجاره بأنه أسود، سيجد نفسه أقرب للسود في نظر الأوربي الشمالي. لذلك نجد عددا من الكتابات القديمة تصف سكان شمال إفريقيا أنفسهم (من غير الإثيوبيين) بالسواد، وكلمة "المور" اليونانية نفسها تحيل على هذا المعنى. أنظر: النسخة الفرنسية لكتاب (Stéphane Gsell)، الهامش ص 186 ـ 187.