مجتمع وحوداث

"Casablanca Tech Valley": مشروع تكنولوجي لإعادة التوازن المجالي في قلب سيدي مومن

كفى بريس ( متابعة)

في خطوة ترمز إلى بداية مرحلة جديدة من التنمية المجالية والاقتصادية في العاصمة الاقتصادية، تم توقيع اتفاقية إحداث "Casablanca Tech Valley" بمقاطعة سيدي مومن، وهي منطقة طالما ارتبط اسمها بالتهميش والهشاشة. هذا المشروع يندرج في إطار رؤية جديدة لمدينة الدار البيضاء، تسعى إلى أن تصبح قطباً تكنولوجياً قادراً على المنافسة قارياً ودولياً، من خلال توسيع مجال الاستثمار وتوزيع ثمار التنمية بشكل أكثر عدالة.

 

الاتفاقية وُقعت بين نبيلة أرميلي، عمدة مدينة الدار البيضاء، وخالد سفير، المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير، تحت إشراف رسمي لوالي جهة الدار البيضاء سطات، محمد أمهيدية، وبحضور نائب العمدة، الحسين نصر الله. وستتكلف شركة "Ewane"، التابعة لمجموعة CDG، بتنفيذ المشروع، مما يعكس شراكة قوية بين القطاع العام والمؤسسات المالية الوطنية الكبرى.

 

يهدف هذا المشروع الضخم إلى خلق أكثر من 20 ألف منصب شغل مباشر في قطاعات التكنولوجيا والخدمات الحديثة، ما يجعله فرصة اقتصادية هائلة لسكان سيدي مومن والمناطق المجاورة. كما يسعى إلى تقليص الفوارق المجالية بين أحياء الدار البيضاء، وخلق قطب حضري جديد متكامل يخفف من الضغط المتزايد على المناطق الاقتصادية التقليدية مثل أنفا والمعاريف.

 

المشروع لا يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل يحمل في طياته بُعداً تنموياً مستداماً، حيث تم تصميمه وفق معايير التهيئة الحضرية الخضراء، ليشكل فضاءً بيئياً مندمجاً يوفر جودة عيش مرتفعة، ومساحات عمل مرنة ومبتكرة. كما يراهن على دعم المقاولات الناشئة في المجال الرقمي، وجذب استثمارات وطنية ودولية لتعزيز تموقع الدار البيضاء كمركز للابتكار التكنولوجي في إفريقيا.

 

في قلب هذا المشروع هناك رهانات اجتماعية واضحة، أبرزها إدماج الشباب والسكان المحليين في دينامية التكوين والتشغيل، وتوفير مسارات للإدماج المهني تُمكن الفئات الهشة من الاستفادة من فرص حقيقية للنهوض الاقتصادي. كما يُنتظر أن يُحدث المشروع تحولاً عمرانياً وحضرياً في سيدي مومن، يُعيد للمنطقة اعتبارها ويُحولها إلى مركز إشعاع بدل أن تبقى هامشاً حضرياً.

 

هذا النموذج من المشاريع يعكس مقاربة جديدة في السياسات المحلية، تتجاوز منطق التمركز حول المحاور الكلاسيكية للمدينة، وتُسهم في تعزيز العدالة المجالية، كما يُسجل حضوراً واضحاً لروح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من خلال التركيز على التمكين الاقتصادي والتكافؤ في الفرص.

 

لكن، رغم الأفق الواعد، لا يخفى أن المشروع يواجه تحديات حقيقية، أبرزها ضرورة ضمان التشغيل المحلي ومنع هيمنة المستثمرين الخارجيين دون استفادة حقيقية للسكان الأصليين. كما أن الشفافية في تدبير المشروع، والحفاظ على الهوية الاجتماعية والثقافية للمنطقة، ستكون مفاتيح أساسية لنجاحه على المدى البعيد.

 

مشروع "Casablanca Tech Valley" قد يشكل، إذا ما أُنجز كما هو مخطط له، نقطة تحول تاريخية في مسار التنمية الحضرية للدار البيضاء. هو أكثر من مجرد منطقة استثمار تكنولوجي، بل يمثل وعداً بجعل سيدي مومن، رمز التهميش سابقاً، عنواناً لمغرب رقمي مندمج ومتوازن.