الكثير من المتتبعين يعتبرون أن الفنان والكاتب والصحفي عبد الحق الزروالي، في جميع الحلقات التي يحل فيها ضيفًا، يتكلم من فراغ أو أصيب بالجنون. لا، وفِي الحقيقة، الرجل عبقري وفيلسوف عصره. ففي ظل الوضع الثقافي الحالي، الذي لا ندري هل يعبر عن أزمة الثقافة أم ثقافة الأزمة، يرسل الرجل، أمام التفاهة والتراجع الكبير على مستويات عدة، رسائل لا يمكن أن يستوعبها إلا الراسخون في فن التلاعب بالكلمات وفن الخطاب.
الرجل، في رده، يستشهد بعظماء الفن المغربي، مثل الطيب الصديقي، رحمه الله، وبصيغة تهكمية ونوع من السخرية، يشرح للآخر كيف أن رائد المسرح المغربي كان ساخطًا على المسرح وتركه لمن يريد أن يشقى فيه وبه.
إنه رجل يتحدث عن ذاته وعن نرجسيته، على اعتبار أن حُثالات وناكرات في عالم الفن والمسرح يتبجّحون، ومنهم من أصبح صاحب برنامج، وآخر مخرجًا سينمائيًا، وآخر صاحب كلمات. كل ذلك يؤلم نفس مبدع المسرح الفردي، الذي يعبر بسخرية كبيرة عن واقع فني ومسرحي متردٍّ وبائس، لا مقارنة بينه وبين الأمس القريب.
عندما يقول: "شكسبير، بودلير، نزار قباني"، ويعدد المواقف معهم، فهناك دلالات كبيرة لا تحتاج للمقارنة، فهو شاهد على عصر الكبار، الذين تعايش مع أعمالهم، وأخذ منها ووظّفها في أعماله المسرحية، التي جاب بها العالم العربي.
الفنان عبد الحق الزروالي، بطريقة تعبيره وتصنيعه للأحداث والمواقف، يقول بصريح العبارة، وبطريقة فلسفية: "أنا رافض هذا الوضع الذي أصبح منحطًا، ولا مجال للجدية التي لا تفيد في شيء، ولا تحقق الأهداف التي ثابرنا من أجلها، والتي عشنا لتحقيقها وتبليغها." إنه يرفض كل ذلك، ويقول بأسف شديد: "لم نكن نعلم أن التفاهة تصل إلى القمة، وأن الجهل والأمية، في مجالات فنية وعلمية، يصلان إلى المجد."
لدى الأستاذ عبد الحق الزروالي رفضٌ بطريقته الخاصة، والرفض في حد ذاته علمٌ يُدرّس، يعلمك كيف يمكنك أن ترفض موقفًا أو علاقة أو عرضًا، بطريقة تترك الآخر متفقًا معك. وهذا ما يقوم به فيلسوف عصره، الفنان المغربي الكبير عبد الحق الزروالي.






