فن وإعلام

حصيلة ثلاث سنوات غنية من تجربة مسرح رياض السلطان بطنجة

كفى بريس

 

 

  شهدت مدينة طنجة قبل ثلاث سنوات انطلاق تجربة ثقافية متفردة، كانت وراءها "جمعية باب البحر سينما ومسرح"، وتمثلت في  "مسرح رياض السلطان"، الذي خرج إلى الوجود بفضل شراكة بين هذه الجمعية ووزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، وولاية جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، ومجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، وجماعة طنجة، كأول مسرح للقرب في المغرب، بناءً على تصور وضعته وأشرفت على إنجازه الجمعية الحاملة للمشروع.

واليوم وبمراجعة لحصيلة ثلاث سنوات من عمر هذه التجربة المتميزة، يمكن القول إن مسرح رياض السلطام قد كسب الرهان، فقد قدم 60 عرضا مسرحيا لجمهوره، بمعدل 20 عرض كل سنة، كما قدم 64 عرضا موسيقيا، و37 لقاء ثقافيا وفكريا، بالإضافة إلى ثلاث عروض سينمائية قدمها خلال هذه السنة كتجربة أولى خلال سنة 2024.

ومع أن قدرته الاستيعابية لا تتجاوز 130 مقعدا، إلا أنه استطاع أن يستقطب من الجمهور خلال هذه المدة القصيرة من تجربته، ما  مجموعه 14002 مستفيد، منهم 4718 سنة 2022، و4123 سنة 2023، ليرتفع العدد خلال السنة التي ودعنا (2024) الى 5161 شخص من الإناث والذكور. وكان هاجس التكوين حاضرا في مشروع وبرنامج رياض السلطان، لذلك نظم ثلاث ورشات تكوينية خلال شهري نوفمبر وديسمبر الأخيرين، وتمحورت الورشة الاولى حول "المسرح والسيرك" بمعدل أربع حصص في كل شهر، واستفاد منها ما مجموعه 53 شخصا منهم 26 تتراوح أعمارهم ما بين 7 و10 سنوات، ومنهم 27 تتراوح أعمارهم ما بين 11 و17 سنة. وخصصت ورشة ثانية للرقص المعاصر في حصة كل شهر شارك فيها ما 9 مستفيدا، كما نظم ورشة ثالثة حول مسرح الكبار في ثماني حصص ل15 مستفيد.

وفضلا عن ذلك، أطلق مسرح رياض السلطان خلال الثلاث سنوات الاولى من تجربته الكثير من التظاهرات بمدينة طنجة بشراكة مع أطراف أخرى.

ففي 4 يونيو 2022، انطلقت أنشطة اليوم الأول من الأسبوع الأول لمشروع "طنجة فرجة"  تحت الشعار: "خارج أسوار رياض السلطان... داخل أسوار المدينة القديمة" وفق البرنامج الذي أعدته جمعية باب البحر سينما ومسرح. لتنشيط الساحات العامة في المدينة القديمة لطنجة ثقافياً وفنياً شمل عروضاً شعبية مثل "الأكروبات"، و"البواردية"، و"الحلقات"، بالإضافة إلى أشكال فنية أقل شيوعاً في الفضاء العام المغربي، وبمناسبة كأس العالم للأندية 2023، ولإعطاء مضمون ثقافي وسياحي وترفيهي لهذا الحدث الرياضي العالمي، قامت جمعية باب البحر سينما ومسرح بتنظيم أمسيات موسيقية لاستقبال عشاق كرة القدم وإمتاع الجمهور المحلي، من خلال حفلات موسيقية في الهواء الطلق على مسرح متنقل تم تثبيته في ساحة باب الديوانة في الفترة من 31 يناير إلى 7 فبراير 2023، وقد ساهمت هذه الفعاليات في تسليط الضوء محليًا، وطنيًا ودوليًا على ديناميكية الثقافة المغربية التي لا مثيل لها. واحتفالًا باليوم الوطني للمسرح المغربي، الذي يصادف 14 مايو من كل عام، أطلق مسرح رياض السلطان النسخة التجريبية من "ربيع المسرح المغربي" الذي احتفى بالتجارب والفرق والأسماء التي تغني الرصيد المسرحي المغربي، من خلال عروض مسرحية مبتكرة وتجريبية وجديدة، في أجواء من المتعة واللعب المسرحي.

وفي إطار الاحتفال بـ"الرباط عاصمة الثقافة الإفريقية"، وضمن انفتاحه على الأبعاد المغربية، الأمازيغية، الصحراوية والإفريقية، نظم مسرح رياض السلطان فعالية "صيف إفريقي" بدعم من ولاية جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، ووكالة تنمية أقاليم الشمال، وبالتعاون مع جمعية "طنجة: فضاء العمل الثقافي" من 7 إلى 28 يوليو 2023. وأتاح معرض "سوق بكل لغات إفريقيا"، الذي أقيم داخل حديقة رياض السلطان طوال أيام الجمعة والسبت والأحد خلال شهر يوليو، للمسرح فرصة للتواصل مع الفنانين والحرفيين التقليديين من الدول الإفريقية الشقيقة لتعزيز التفاهم والتكامل والتفاعل في الوسط الفني وحول العمل الفني. وحفز نجاح هذه الدورة المنظمين على إطلاق الدورة الثانية لفعاليات "صيف إفريقي 2024" . ما بين 11 إلى 13 يوليو، تميزت برمجتها  بالشراكة مع جمعية الفنانين السنغاليين المقيمين بالمغرب، التي اسهمت في إبراز الثقافة السنغالية بكل أشكالها ومكنت الزوار من اكتشاف الفنون التقليدية والمعاصرة للسنغال عبر  فعاليات وأنشطة متنوعة تدمج الأبعاد المغربية، الأمازيغية، الصحراوية، والإفريقية في بوتقة واحدة.

وفي إطار التزامه بدعم وتطوير المواهب الناشئة في مجال الإخراج المسرحي، برمج مسرح رياض السلطان "أول إخراج مسرحي" ضمن فعاليات النسخة الـ24 من المهرجان الوطني للمسرح، لتوفير منصة فريدة للمخرجين الشباب لعرض أعمالهم الأولى أمام الجمهور واستكشاف توجهاتهم الفنية والفكرية، وتمكينهم من تقديم رؤاهم الفنية ومشاركتها مع الجمهور، وتعزيز الابتكار في العروض المسرحية وتهيئة بيئة مشجعة لتفاعل المبدعين مع الجمهور وتلقي آراء بناءة، تكريسا لطموح مسرح رياض السلطان إلى لعب دور محوري في تعزيز مساهمة الجيل الجديد من المبدعين والفنانين في تطوير المسرح الوطني وتنويع تعبيراته. وحرص الفضاء الثقافي والفني رياض السلطان على التزامه بتقديم برامج ثقافية غنية ومتنوعة لمدينة طنجة، من خلال تنظيم النسخة الثانية من فعاليات "ربيع المسرح" للمسرح المتوسطي في  ماي 2024، تحت شعار "ربيع الجاكاراندا للمسرح المتوسطي"، ضمن الاحتفاء بالمسرح المتوسطي وإثراء رصيده، وتعزيز تجربة المسرح القريب من الجمهور، خصوصا في الحي التاريخي للقصبة.

من جهة أخرى، تم إطلاق فعاليات "ربيع المسرح المغربي" لأول مرة كتكريم لليوم الوطني للمسرح المغربي، الذي يُحتفل به في 14 مايو من كل عام. وقد مثلت هذه التظاهرة مناسبة للاحتفاء بإنجازات المسرح المغربي، وتكريم الفرق والفنانين الذين يسهمون في تطوره. وشهدت نسخة 2024 نجاحًا كبيرًا، حيث تضمنت برمجة استثنائية لعروض مسرحية مبتكرة وتجريبية جديدة، وهكذا استضاف رياض السلطان ما بين 11 و31 مايو، عروضا مسرحية متنوعة تفاعل معها جمهوره النوعي في أجواء حميمية وممتعة.وبالموازاة، تم تنظيم حفلات توقيع في لقاءات مع كتاب قدموا أعمالهم ووقعوا نسخها، مما خلق فضاءً للتواصل بين المبدعين والجمهور.

وبذلك أضحى "مسرح رياض السلطان" وجهة استثنائية مكرسة للاحتفاء بالثراء والتنوع الثقافي، فمنذ افتتاحه في عام 2021، رسّخ هذا المسرح مكانته كوجهة ثقافية، حيث يلتقي الفن والثقافة في تناغم من الألوان والرؤى الخلاقة.

لقد شهد مسرح رياض السلطان، منذ افتتاحه، فترات استثنائية غنية بالإنجازات والتحديات، تميزت بسلسلة من الأنشطة والتظاهرات المميزة والنجاحات البارزة. كما حضي بشرف استضافة مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفنانين الموهوبين، والمحاضرين الملهمين، والفعاليات الثقافية المتنوعة من مختلف بقاع العالم التي أثرت برمجته وأبهرت جمهوره الذي تزايدت أعداده بشكل تصاعدي كما تفصح عن ذلك أرقام الحصيلة أعلاه.