مجتمع وحوداث

التعليم العالي في المغرب.. إخفاقات الماضي وتأثيرها على مستقبل الاقتصاد والبلاد

إدريس الفينة ( باحث )
تشير بيانات التعداد العام للسكان والسكنى لعام 2024 إلى تحسن طفيف في معدلات التعليم العالي بالمغرب مقارنة بعام 2014، لكنها تسلط الضوء على إخفاقات هيكلية في نظام التعليم العالي، وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية. بلغت نسبة السكان الحاصلين على تعليم عالٍ في المغرب 10.2% عام 2024، مقارنة بـ 6.1% عام 2014، وهو تطور يظل محدوداً بالنظر إلى التحديات الحالية والمقارنة مع دول أخرى. 

في عام 2014، كانت النسب تشير إلى فجوة بين الرجال (6.9%) والنساء (5.4%)، إلا أن التعداد الأخير يظهر تقارباً كبيراً، حيث وصلت النسبة إلى 10.1% لكلا الجنسين. ورغم هذا التقارب، فإن المعدلات الإجمالية لا تزال ضعيفة جداً، مما يعكس أزمة عميقة في التعليم العالي، سواء من حيث جودة التعليم أو قدرته على الاستجابة لمتطلبات سوق العمل. 

هذه الأزمة لا يمكن فصلها عن آثارها الاقتصادية والاجتماعية. فضعف التعليم العالي يُترجم مباشرة إلى نقص في الكفاءات البشرية المؤهلة، مما يُعيق تطور القطاعات الحيوية كالطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والصناعات ذات القيمة المضافة العالية. كما أن غياب المواءمة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل يُفاقم من بطالة الشباب، ويدفع العديد من الخريجين نحو وظائف في القطاع غير الرسمي أو الهجرة بحثاً عن فرص أفضل. 

على المستوى الاجتماعي، تعمق هذه الأزمة الفوارق بين المناطق الحضرية والقروية، حيث يظل الوصول إلى التعليم العالي في المناطق النائية محدوداً للغاية. كما أن تحسين النسب العامة لا يعني بالضرورة تحسين جودة التعليم، وهو ما يظهر في محدودية الأبحاث العلمية وضعف ترتيب الجامعات المغربية عالمياً. 

بالمقارنة مع تونس، التي وصلت نسبة التعليم العالي فيها إلى 15.45% في 2024، يتضح أن المغرب لم يستغل عقداً كاملاً لتحقيق قفزة نوعية. تونس نجحت في تحسين أرقامها بفضل استثمارات استراتيجية في البنية التحتية التعليمية وبرامج الدعم المالي للطلبة. أما فرنسا وإسبانيا، فتقدمان نموذجاً أوروبياً ناجحاً بفضل معدلات تتجاوز 36%، مما يعكس استراتيجيات طويلة الأمد للاستثمار في التعليم وربطه بسوق العمل. 

التحديات التي يواجهها المغرب في التعليم العالي ليست قدراً محتوماً، بل يمكن معالجتها عبر تبني إصلاحات جذرية وطموحة. زيادة الاستثمار في الجامعات، خاصة في المناطق النائية، وتحسين جودة المناهج لتتماشى مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص هي خطوات أساسية للخروج من الأزمة. كما أن دعم البحث العلمي وتطوير برامج تعليمية موجهة نحو القطاعات ذات الأولوية يمكن أن يساهم في تحويل التعليم العالي إلى رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

أرقام التعليم العالي في المغرب هي انعكاس لسياسات تعليمية تحتاج إلى مراجعة شاملة. إذا استمر هذا المسار البطيء دون تدخل قوي، فإن الفجوة بين المغرب وباقي الدول، سواء الإقليمية أو العالمية، ستتسع أكثر. ومع ذلك، الفرصة لا تزال قائمة لتغيير هذا الواقع عبر استثمار حقيقي في العنصر البشري، الذي يمثل أساس أي نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة.