مجتمع وحوداث

أيّ «وَكالَة» لأيّ تَعْليمٍ عالٍ !!؟

صلاح بوسريف

   وسيبقى، عندنا، أنَّ إصلاح التعليم بِكُلّ طبقاته، لن تقوم له قائمة، لأنَّ الإرادة الفعلية لأصلاح التعليم غير موجودة، ما دام التعليم في يَدِ حزبٍ، أو بعض الأحزاب تعبث فيه كما تشاء، في المناصب، وفي المَهامّ، وفي التعيينات، ونبدأ من وزير التعليم العامّ الذي لا علاقة له، لا بالتعليم، ولا بالسِّياسة، ولا يعرف ما تعنيه أزمة التعليم، وما يقتضيه الإصلاح من جِدِّيَّة في الإصلاح، ومن خَطَرِ التعليم، حين يكون مُنْفَلِتاً، وينعكس انفلاتُه على انفلات المُـجْتَمَع، وتهاوي القِيَم، بل تَفَسُّخها.

ومشكلات التعليم العالي، أو هكذا نَصِفُه، كما هو مُسَمَّى في العُرْفِ العامّ، عند الأمم التي التعليم، بالفعل عندها عَالٍ، لِما فيها من مُقَوِّمات التكوين، ومن وُضوح في الرؤية والأهداف، وما تمخَّضَ عنه هذا التعليم من عُقول، وطاقاتٍ، وخبراتٍ، لا وزير فيه أفْسَدَه، أو خَلَط فيه الحابل بالنَّابل، فقط، لإرضاء مُنْتَسِبِي حزبه، هذا هُنا، وتِلْكَ هُناك، دون اعتبار لقيمة، وجسامة المنصب والمهمامّ، ومن يكون الشخص. أمَّا عندنا، فهذا التعليم، يعيش أزمة وصلت مستوًى غير مقبول، وكان من نتائجها، أن دَخَل الفساد إلى الجامعة، في من يُـمْتَحَنُون ليكونوا أساتذة، وما يكون خلْفَهُم من أيادٍ تُسْنِدُهم، فقط، لتتفرَّق الجامعات بين الأحزاب والنقابات، ومن يكونون في مناصب تُخَوِّل لهُم التَّلاعُبَ بالمناصب والوظائف والتَّعْيِينات، كما دخل الفساد إلى الأطاريح التي تُسْرَق، وتُزَوَّر، وتُكْتَب بِمُقابل، لا حسيب ولا رقيب، ناهيك عن قيمة ما يُناقش من هذه الأطاريح التي إن فتَحْتَ الواحِدَة منها، تُصابُ بالدُّوار، وبعدم الفهم، لما فيها من أغلاطٍ، وأعطاب، في اللغة، وفي الرؤية، وفي المنهج، وفي المفاهيم، وفي التَّصَوُّرات.

وها هي «الوكالة الوطنية لتقويم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي»، وهذه صفات وأسماء، في ذاتها، تبعث الرُّعْبَ والفَزَع في من يسمَعُها، لِما تُلْقِيه على نفسها من مهامّ جسيمة، أَصْعَبُ ما فيها «التقويم» و «الجودة» و «البحث العلمي»، وهذه أمور، ما لم يكن من هو في هذه الوكالة، رغم اختلاط هذه الصِّفَة التي لا تليق بالتعليم، من ذوي التكوين العالي، فعلاً، ومن رجالات التربية والتعليم، ومن المفكرين، والأساتذة الذين راكموا خبرة في الجامعة، سواء أكانوا في المغرب، أم خارِحَه من المغاربة، طبعاً، ومن الخُبراء في البيداغوجية، فلا يمكن أن يكونوا في هذه «الوكالة»، ولن يستطيعوا القيام بمهام، ثقيلة كهذه، تتطلَّب أن يكون من يدخل ماءها، خَبِرَ السِّباحَة فيه، بل يعرف حال الماء، وما قد يكون عليه من لُحٍّ أو غَرَقٍ.

أنْ يترك وزير التعليم العالي كُلّ هؤلاء، ويذهب إلى أشخاص لا علاقة لهُم بالتعليم العالي، بمعناه الذي نعرفه جميعاً، فقط، لأنَّ هذا ، أو تلك من حزبه، فالتعليم ليس حزباً، ولا قبيلة، أو نقابة، أو غنيمة، التعليم، بِكُل طبقاته، هو نحن، وهو كُلّ الأجيال القادمة، وهو المغرب في عقله، وفِكْرِه، وخياله، وفي طاقاته، وثقافته، وتراثه، وفي خبراته. الفنان له مكانه، والتَّاجِر له مكانه، والبنَّاء له مكانه، أمَّا التعليم، فله أصحابُه من ذوي العقول التي تُفَكِّر، وتسأل، وتبحث، وتقترح الحلول، وتتدارك الأعطاب، فقط، هؤلاء، فيما يقترحونه، يذهبون أبْعَد مما يُرِيدُه الوزير، ومما يُرِيدُه الحزب، أو تُريدُه الدولة نفسها، لذلك، لا أحد يرغب فيهم، ما يجعل «الوكالة» هذه، تشبه «الوكالة العامَّة للإشهار» ، أو «وكالات النقل بين المُدُن والمداشر»، أو «وكالة الكراء والبيع والشِّراء».

وسنظل نصرخ بأعلى أصواتنا، ياااا هؤلاء، التعليم ليس نُزْهَةً، وليس مُهِمَّة، ولا هو وزارة، أو حزباً ونقابة، التعليم هو نحن جميعاً، في تاريخنا، وفِكْرنا، وثقافتنا، وفنوننا، وإبداعاتنا، وفي الإنسان الذي هو كُلّ هذا، أمَّا الغنيمة، فهي كساد القِيَم، وكساد الوجدان، وأخلاق الأمة، وهذا ما كان الشيح محمد عبده، ومعه علال الفاسي، ومحمد عابد الجابري، وغيرهم، نبَّهُوا إلى خطره على الأمة، حين تُخْفِقُ في تأهيل تعليمها، أو في جعل التعليم «وكالة»، مثل وكالة الكراء والبيع والشراء.