لكن رغم كل هذا الوقت لم تستطع السلطة التنفيذية ومعها المؤسسة التشريعية من إصدار آليات وقوانين تساير منطوق الدستور الذي ظل بعيدا عن الممارسة الفعلية بسبب الحسابات السياسية مما أثر سلبا على فئات كبيرة وحيوية من المواطنين المغاربة الدين ظلوا على الهامش بل تم التنقيص من مواطنتهم . ويأتي في مقدمة هؤلاء المغاربة المقيمين بالخارج والذي يشهد بأهميتهم في كل القطاعات ، فحسب آخر تقدير للبنك الدولي فتحويلات مغاربة العالم خلال 2024 تقدر ب 12 مليار دولار وهو رقم يجعل المغرب في المرتبة الثالثة افريقيا و الرابعة عشر عالميا . لكن هذه المساهمة لا تعني البعض في شيء ، ما دام المواطنون المغاربة بالخارج لازالوا خارج حسابات السياسة والنخب السياسية التي زاغت عن مسار المسودة الدستورية رغبة منها في حجب رؤية الطريق الذي رسم مند 2011 . وهنا واحدة من آلاف العقد التي تتشابك بها شبكة السلطة في هذا البلد والتي لا تزال تمنع المجتمع المغربي من السيطرة على مصيره واستعادة الحقوق الديمقراطية بالكامل، وفي المقام الأول حق واجب الشعب ممارسة المواطنة من خلال السياسة والتمثيل المؤسساتي . فمنذ 2007 تاريخ تأسيس مجلس الجالية الذي استحسنه ورحب به الجميع اعتقادا أن وجوده كمؤسسة سيسهم في تقليص الفجوة بين المجتمع والحكومة في إيصال مشكلات الجالية ومطالبها، فقلة فاعلية مؤسسات المجتمع المدني او ضعفها يساهم في تكبير الفجوة بين المجتمع كمشارك في عملية السياسات العامة والحكومة وهو ما يضعف التغيير والتطوير بسبب تمركز القرار في يد فئة واحدة .
انه العطل الذي أصاب هذه المؤسسة- مجلس الجالية- التي لم ترَ النور، فكانت بلا أسنان ولا صلاحيات، وكل ما فعله أعضاؤها منذ إنشائها أنهم كانوا يسافرون من مكان إلى آخر، ويقبضون رواتبهم بصفتهم أعضاء في هذه المؤسسة، لا أكثر، هذا الواقع سيزيد من صعوبة المهمة المستقبلية، لكنها بالتأكيد لن تكون مستحيلة، متى توفرت النية والإرادة، وتضافرت جهود المخلصين في البلاد على العمل في كيفية إعادة بناء مجلس الجالية، من خلال الاستفادة والتعلم من تجارب الدول التي لديها تاريخ طويل وما تراكم من الخبرات في بناء المؤسسات الدستورية خاصة التشاركية حتى تكون لها فعالية ونجاعة.
إن أكبر عائق يواجه إعادة هيكلة مجلس الجالية يكمن في أن القوى السياسية لا تمتلك وضوح في العمل والخط والهدف وتلعب لعبة الأوراق المختلطة والفارغة لكسب الوقت، بسبب تشابك المصالح والحسابات الضيقة فلو كانت هناك حكومة قوية لكانت المشكلة أقل حدة وعرفت طريقها الى الحل فثمة مقترحات لا زال الغبار يعتريها في رفوف البرلمان . ولكننا نجد أنفسنا اليوم أمام وضع دراماتيكي إن حضور صوت وراي مغاربة العالم غائب عن الإصلاحات والقرارات التي تتخدها الحكومات المتعاقبة كما هو شأن المدونة الجديدة، الاصلاح الضريبي او التبادل الأوتوماتيكي للمعلومات وغيرها كثير، مما يفرض علينا، التغلب على هذه المشكلة بسرعة: فنحن نمر بمرحلة من الجمود المؤسسي. وأكرر، البلد بحاجة إلى استراتيجية دستورية.
إن أزمة الأحزاب واضحة، ولا يمكن رؤيتها إلا في الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يغلي. واكبر خطر يكمن في أنهم فقدوا العلاقة مع المجتمع، بينما في التصميم الدستوري كان ينبغي أن تكون هناك علاقات قوية مع المجتمع. نحن بحاجة إلى قادة، وليس إلى قيادة. ومع ذلك، فإن المشكلة الأكثر إلحاحا الآن هي هذا الجمود المؤسسي وهو ما يقتضي شعور كبير بالمسؤولية وبُعد النظر من جانب التمثيل السياسي ككل. وأعتقد أنه يمكن التوصل إلى تقارب واسع النطاق بشأن بعض التدابير. على سبيل المثال، قانون تنظيمي يؤسس لمجلس جديد خاص بالجالية كما جاء في خطاب العرش بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، لذا ربما بل اكيد حان الوقت لمراجعة الأداء العام لكل مؤسسات مغاربة الخارج، فحالة الجمود مثل الحالة الحالية يمكن أن تكون حدثا استثنائيا، ولكن إذا استمرت وتكررت مستقبلا تصبح مرضا عضال.
إن الطلب الاجتماعي على التغيير الجوهري هائل وواضح داخل اوساط مغاربة العالم بسبب عدم وجود إطار للدفاع عن مصالحهم وقادر على التواصل معهم من خلال لغة شعبية واضحة وأشكال واضحة من التمثيل الموضوعي بعيدا عن المحاصصة بل يأخذ الاحتياجات الفعلية للغالبية العظمى من الجالية، الذين يمثلون اليوم بأشكال مختلفة الحضور المغربي بكل المعمور. ومن الضروري أن نبدأ من جديد من هذا التحدي في السياق السياسي الجديد ولابد أن تكون المعركة ضد التهميش والإقصاء هي المحور الذي يتم حوله تطوير البديل الحقيقي للوضع الراهن.