مجتمع وحوداث

ما لم يقله بنموسى

محمد أحداد (صحفي/ تدوبنة)

قدم شكيب بنموسى نتائج الإحصاء برؤية رجل تكنوقراطي. تعامل مع الأرقام كأرقام جافة خالية من أي معنى سياسي. وفي المرة الوحيدة التي غامر فيها بالتفسير، ارتكب "مجزرة سياسية كبرى" حينما ربط ارتفاع نسبة البطالة بوقت الإحصاء، قائلا إن النشرة الفصلية أهم.. طيب!

ما ينقص التكنوقراطي المفصول عن نظام المحاسبة الديمقراطي هو السياق، الذي كان يشرحه الحليمي سابقا ولو بقليل من الحذر (لنتذكر هنا حين قال إن التضخم داخلي وليس مستورداً كما قال أخنوش). غاب هذا السياق في الندوة الأخيرة لبنموسى، الذي كان لطيفا أكثر مما ينبغي..

لم يشرح لنا بنموسى، على سبيل المثال، دلالة ارتفاع البطالة إلى نسبة قياسية وأين يمكن أن تصل بالبلد؟ لم يقل إن نسبة الفقر مرشحة للوصول إلى مستويات قياسية، وإن المغرب معرض لنزيف حقيقي لهجرة الكفاءات... ولم يوضح أيضاً أن بنية الاقتصاد القائمة على الريع لم تعد تخلق فرصا للشغل بالمقارنة مع دول تحقق نفس نسبة النمو.

لماذا؟

الجواب كان واضحا أمس على لسان عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي نسف كل ما قاله بنموسى: ما يحتاجه المغرب هو العدالة في توزيع الثروة. هذا هو جوهر المشكلة، وليس حلولا إدارية تكنوقراطية. لكن من يستوعب الدرس على بساطته.

طبعاً، لن يمتلك بنموسى الشجاعة ليقول إن رئيس الباطرونا متابع بتهم جنائية ثقيلة، وإن رئيس الحكومة حصل على صفقة تحلية مياه البحر في تضارب صارخ بين منصبه كرئيس حكومة وكمقاول اقتصادي، ولم يقل أيضا إن حزب رئيس الحكومة تابع صحفية بسبب تدوينة عادية.. عادية لدرجة الضحك.

في قضية الأمازيغية، لم يوفر لنا بنموسى التكنوقراطي سياقا أساسيا، يتمثل في أنه قدم إحصائية لم يسأل عنها المكلفون بالإحصاء. ولم يشرح أيضاً أن الأمازيغية حوصرت في التلفزيون ووسائل الإعلام وفي الفضاء العام بذريعة نقاء العرق وقداسة اللغة العربية وإلى وقت قريب كان مجرد الحديث بها يعد "فضيحة". ألم ير بنموسى، وهو وزير التربية السابق، المشاهد المروعة للمناطق الأمازيغية التي ضربها الزلزال؟

لم يتوفر لحكومات ما بعد دستور 2011 من انسجام سياسي و"تسامح" من الصحافة ما توفر لحكومة أخنوش. ومع ذلك، حطمت الرقم القياسي في نسب البطالة، وهو مؤشر أساسي لقياس صلابة الاقتصاد، بالإضافة إلى ارتفاع حجم المديونية وتراجع الاستثمارات الأجنبية والفشل الفادح في تنفيذ برنامجها الاقتصادي والاجتماعي. واجهت حكومة العثماني حراك الريف وحراك جرادة وجائحة كورونا وانسجاماً حكومياً هشاً. وقبلها، واجهت حكومة ابن كيران ضغوطات حادة، خاصة في تنزيل بنود الدستور الجديد، وانهيار التحالف الحكومي بعد "غزوة باب العزيزية" لحميد شباط، وحراكاً غير مسبوق للصحافة. هل واجهت حكومة أخنوش مثل هذه التحديات؟

لا أعتقد ذلك.

ثمة حس استعلائي لدى حكومة رجال الأعمال، يرفض المحاسبة والمساءلة، ولديها حساسية حتى من المؤسسات التابعة للدولة، لدرجة ممارسة ترهيب ضد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بسبب تقرير كشف عن رائحة فاسدة في التدبير العمومي، ومهاجمة محمد أوجار تعيين شخصيات بتوجهات يسارية على رأس هيئات الحكامة فقط لأن الحليمي كان صريحاً ضمن الحدود التي تسمح بها البنية...

مرة قال أوجار إن حكومة العدالة والتنمية تمارس الأغلبية في أيام الأسبوع، والمعارضة في عطلة نهاية الأسبوع. فماذا يمارس هو وحكومته؟