يعود يوم 13 نونبر، لتتجدد معه ذكرى غروب السي حسن المنيعي الذي رحل سنة 2020، كان وداعك حزينا، كما ذكراه اليوم..
يكتب الأصدقاء والباحثون، ومن تعلم على يدك، ومن درسك كلمات تعبيرية مؤثرة عن رحيلك بالمناسبة، تقديرا لذكراك، واعترافا بقيمتك، وإسهامك.
وأكتب بدوري لأصوغ ما أعتبره صيغتي الخاصة لقول جرح فقدانك، والاحتياج لحضورك، وإفاداتك ليس مسايرة لطقس ما يتكرس في غيابك، وهو شيء نبيل ومحمود، بل لأن استحضارك في هذا اليوم وكل الأيام ضرورة معرفية وأكاديمية وإنسانية، يمليها علي واجب التقدير والاحترام، كما تمليها القناعة بمشروعك في درس المسرح، والبحث العلمي، والتأطير الأكاديمي، ولأن التقدير لا يقال لأمثالك مرة وينتهي، بل يعاد تأكيده من موقع الواجب والاعتراف، والإقرار به حين نكون أوفياء بالفعل، أو نسعى لأن نكون ببعض صفات هذا الوفاء، ونكتب أيضا باعتبار الكتابة صيغتنا المتبقية والأبدية للتموقع في الموت، ولمواجهة آلة النسيان، وحتى لا ننحدر أكثر في زمن السقوط الذي يكرهنا على القبول بقدر الانهيار الكلي، ومن خائصه التنكر، وعدم االاعتراف...
لم ننسك يوما، ولن ننساك أبدا، لأنك تسكن فينا، ولأن بصمتك تنعكس في ما نعتبره مساهمات نقترحها وفق ما تسعفنا به معارفنا، وإمكانياتنا، وصحتنا..ولأنك كنت أستاذنا ، ومعلمنا ، وستبقى كذلك...لقد علمتنا أن نكون أوفياء لمن علمنا، ولما تعلمناه من مجموع شيوخنا...وعلمتنا أن نكون بالوفاء كله للكبار، وأن هذا هو إشكالية الحقة للوجود، أما ما تبقى فلينشغل به الصغار...هؤلاء الذين ينبتون في كل مكان، كما ينبت كلامهم باعتباره الصيغة الوحيدة الممكنة من موقع ثقافة الإعلان وقداسات مركزيات القرار الثقافي، والأكاديمي، والمجتمعي وما تبقى...
بالأمس رحلت أستاذي، ونبقي على أمل ملاقاتك يوما ما، غير بعيد طبعا مهما طال، في عوالم الصمت الأبدي ببعض "أسمال وجوهنا"، وما تبقى من كرامتنا التي كنا نلاقيك بها، وببعض القناعات التي تبنيناها في حضورك، وباجتهاداتنا التي قدرنا عليها لنكون ممانعين من مواقع الثقافة، والعمل المهني، والبحث الأكاديمي، والاهتمام الثقافي، ليس لأننا نبحث عن بطولات ما، بل لأننا لا نرغب في أن تكون شاهدا على قبولنا بالاتساخ والخسران الوضيع...أقول لك إننا نخسر أكثر بغروب الكبار، وأنت منهم، وبعدم الوفاء لأخلاقهم، ونبلهم، وعطائهم، وسخاء إنسانيتهم، وكل ما تعلمناه منهم...الخسران قدر أوصلتنا إليه مسارات، وصيغ القبول بالبؤس العام، وعلاقات اجتماعية وسياسية جهنمية معقدة، لكن ما يعد كارثيا في هذه الخسارات هو التسليم بها، والقبول بالتنكر التلقائي لمن عاش ليوجه الناس نحو ينابيع المعنى، ومداخل تصليب جبهات الأمل...نعرف أنك لكل هذا عشت، وهو ما تعلمناه منك..لهذا نقول لك:
إليك الوفاء والاعتراف...إليك الامتنان والتقدير فقد عشت كبيرا وتبقى كبيرا وحين يضيق علينا الوجود نعود لصفاء ذكراك، ولذاكرة أمثالك ولكل تراثهم لنبحث عن ما يسعف جهدنا حتى لا ننحدر أكثر في واقع السقوط..لك البهاء والتقدير حيا وميتا، وك كل التقدير كما في أعماقنا، حيث تشمخ بحضورك معلما ملحميا ضدا على زمن الانهيار.