قضايا

رهانات الدخول السياسي والاجتماعي الجديد

رضوان اعميمي/ أستاذ القانون العام جامعة محمد الخامس الرباط

يكاد يجزم المتتبع للشأن السياسي والاجتماعي ببلادنا، أن تحولات وتغيرات كبيرة تجري على المشهد، بعضها يجري في صمت والبعض الآخر يظهر للعيان وتطفو على السطع ارتداداته.

 لكن الأكيد أن المرحلة سيكون لها ما بعدها سواء على الصعيد الوطني كما على الصعيد الإقليمي، لذلك يمكن القول أن الدخول الاجتماعي والسياسي الذي سيفتتحه جلالة الملك غدا الجمعة طبقا للدستور قد يحمل العديد من القرارات والتوجيهات الملكية للمؤسستين التشريعية والحكومية تتماشى ودقة المرحلة.

هذا، ويتسم الدخول السياسي الحالي بتراجع حدة النقاش السياسي بين مختلف الفرقاء المؤسساتيين خاصة بين أحزاب الأغلبية والمعاضة من جهة وبين الحكومة والمركزيات النقابية من جهة ثانية، وهذا التراجع في حجم ونوعية وكذا الأفق السياسية هو هدوء قد يسبق العاصفة وهو لا يؤشر على صحية المشهد العام، فإذا استثنينا بعض الخرجات الفردية وبعض المؤتمرات واللقاءات الحزبية هنا وهناك، يكاد الركود يميز الساحة السياسية، لفائدة تعبير ات أخرى تتصدر المشهد، خاصة مع استمرار أزمة طلبة الطب التي لا يمكن الاستهانة بحجمها ومآلاتها، مع دخولها منعطفا تصعيديا جديدا، دون أفق جديدة للحل، وهو ما يحرج بشكل كبير الفاعل السياسي باعتباره مسؤولا من جهة عن تأطير المواطنين ومن جهة أخرى عن التفاوض والبحث عن الحلول الممكن لتجنب الاصطدام مع مؤسسات الدولة.

يزداد المشهد ضبابية خاصة مع تزايد الأنباء عن اقتراب التعديل الحكومي وما ينتج عن ذلك من قراءات وتموقعات جديدة خاصة على مستوى الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، علما أن الوضعية الحالية قد تطرح أكثر من سؤال في الموضوع خاصة مع دخول الحكومة في السنة ما قبل الأخيرة من ولايتها، علما أن السنة الأخيرة عادة ما توصف بأنها “سنة سياسية بيضاء” لا تتحمل اتخاذ قرارات كبرى أو المصادقة على مشاريع القوانين التي قد تلزم الحكومة المقبلة أو تعتبر على الأقل من قبيل ” التسخينات الانتخابية” على الرغم من أن الاطار الدستوري والقانوني يمنح الحكومة ولاية كاملة تمتد لخمس سنوات، باستثناء فترة تصريف الأعمال.

فعلى الرغم من تمتع الحكومة بأغلبية ثلاثية تبدو أنها منسجمة في غياب مؤشرات ظاهرة تثبت العكس، إلا أن فعاليتها في مجموعة من القطاعات تثير العديد من التساؤلات، خاصة مع بعض التقارير التي تصدر عن مجموعة من المؤسسات الدستورية أو تصريحات مسؤوليها من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ووالي بنك المغرب، التي تحيل على أرقام ومؤشرات اقتصادية غير مستقرة وغير مطمئنة في بعض الأحيان سواء على مستوى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب أو على مستوى مؤشرات العدالة الاجتماعية والمجالية، لكن في المقابل يبدو أن بعض الملفات تسير بوثيرة أفضل خاصة على مستوى إنجاز المشاريع والأوراش الكبرى وتعبئة الموارد المالية الخاصة بإنجازها استعداد للاستحقاقات الكروية خاصة المرتبطة بتنظيم المونديال والتي قد تعزز فرضية قوة المؤسسات الاستراتيجية للدولة العابرة للزمن الانتخابي والتشريعي والحكومي، مقابل أسئلة كبيرة جدا ومحرجة أيضا حول أداء بعض المؤسسات المنتخبة خاصة على الصعيد الترابي مع تزايد المتابعات التأديبية والقضائية لمجوعة من المنتخبين من جهة وما تشهده بعض دورات مجالس الجماعات الترابية من مؤشرات مخيفة وسلوكات غير لائقة تصل أحيانا لتبادل السب والشتم والتشابك بالأيدي، وهو ما يحيلنا على الحاجة لمدونة سلوك ملزمة أيضا على المستوى الترابي تضمن الحد الأدنى من النقاش السياسي الذي ينتصر لفلسفة العمل الترابي ويعيد الثقة للمواطن في المؤسسات المنتخبة خاصة مع تراجع نسب المشاركة في مجموعة من الاستحقاقات الجزئية في المدن كما في القرى.

أما على المستوى التشريعي، فالرهانات كبيرة على افتتاح الدورة خاصة في ظل وجود مجموعة من النصوص التشريعية التي تنتظر الحسم فيها والتي تخلق الكثير من النقاش السياسي والقانوني والحقوقي خاصة مشروعي قانون المسطرة المدنية، الذي ينذر باحتقان على مستوى جسم العدالة خاصة هيئة الدفاع التي تبدو مصرة على مواقفها الرافضة لمجموعة من المقتضيات التي تضمنها، نفس النقاش قد يواكب مشروع القانون الجنائي والمسطرة الجنائية إذا ما كتب لهما الإحالة من جديد على المسطرة التشريعية.

القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب أيضا، والذي ينتظر إحالته على المسطرة التشريعية لا يقل أهمية وحساسية خاصة وأن السياق الاجتماعي هو سياق خاص وغير مستقر ويمكن أن يخلق جبهة سياسية واجتماعية قوية مناهضة لتمرير مجموعة من البنود التي تعتبرها النقابات تراجعية وتتحفظ عليها، على الرغم من الاتفاقات السابقة على مستوى الحوارات الاجتماعية التي عرفت سلاسة كبيرة ومخرجات مهمة لفائدة مجموعة من الفئات الاجتماعية، إلا أن أثرها على القدرة الشرائية لا يواكب حجم انتظارات الشغيلة في ظل استمرار التضخم وعدم استقرار أسعار مجموعة من المواد خاصة الاستهلاكية منها. دون إغفال ملف إصلاح التقاعد الذي يعتبر من الملفات الشائكة جدا والتي تتطلب الجرأة في اتخاذ القرار ليس فقط لإصلاح مقياسي ولكن لتغيير طبيعة نظام المعاشات المعتمد والذي يفرز بشكل دوري أزمات على مستوى الاحتياطي المالي، في ظل تراجع التوظيف العمومي مقابل تزايد نسبة المتقاعدين وارتفاع أمد الحياة.

هذه المعطيات وغيرها تتطلب من المؤسسة التشريعية قدرا كبيرا من الفعالية والتحلي بروح المسؤولية مع استحضار الأخلاقيات في كسب رهان الزمن التشريعي والرقابي لربح الرهانات الاقتصادية والاجتماعية التي تتزايد تعقيدا مع توالي المخاطر والأزمات (الأزمة المائية، الاضطرابات المناخية…) والتي تحتاج إلى تعبئة الموارد المالية المستدامة، لذلك ستشكل لحظة النقاش حول مشروع قانون المالية لحظة فاصلة لترجمة الاختيارات الكبرى خاصة المرتبطة باستكمال ورش “الدولة الاجتماعية” واستمرار إصلاح النظام الضريبي والمالي بما لهما من أهمية في تعبئة الموارد المالية مع الحاجة المستمرة والمستعجلة لإصلاح المنظومة الإدارية والقطاع العام ببلادنا بالنظر لدورهما الجوهري في تنزيل مختلف الإصلاحات والسياسات العمومية.