لم يحصل أن عرفت القضية الفلسطينية اختلافات في وجهات النظر، إلى حد التباين والتناقض، كما هو عليه الحال اليوم. ليس فقط في صفوف القوى الوطنية الفلسطينية بل أيضا في الوعي السياسي والقومي والوطني العربي. الأمر ليس صدفة ، بل هو نتيجة موضوعية لتغير استراتيجي في واقع الصراع بانتقاله من القطب السني العربي( الصراع العربي- الاسرائيلي) الى القطب الشيعي الإيراني. وهو تحول في منطق الصراع نفسه طالما أن القضية انتقلت من منطق " التسوية" إلى منطق " المواجهة". أي من منطق المفاوضات التي دخلتها القوى الفلسطينية بخيار التسوية السياسية بعد عقود من الكفاح الوطني، إلى منطق المجابهة المتجددة. وهو خيار دعمته القيادة الفلسطينية في عهد الراحل ياسر عرفات، والأنظمة العربية الداعمة لهذا الخيار تحت مظلة المنتظم الدولي.
وبغض النظر عن الموقف المعلن إزاء مسارات مسلسل السلام، فإن القوى الوطنية العربية كانت تعلن في كل مرة دعمها " اللامشروط" لمنظمة التحرير الفلسطينية، وظلت تردد أنها هي " الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
لكن ما الذي جرى بين الأمس واليوم؟.
إن ما يجري هو تغير في وقائع القضية الفلسطينية نفسها بتغير معادلات الصراع.وبالنتيجة، يجري تغير في الحسابات السياسية بتغير الوعي السياسي الوطني من جهة، وبحسابات المصالح الوطنية، والقطرية، والدولية من جهة أخرى. في مرحلة تشهد تشتت قوى الصف الوطني الفلسطيني بشكل غير مسبوق.
إن ما يجري اليوم يتطلب استحضار بعض العناصر ، ومنها
--تجميد ورقة التسوية السياسية لفائدة الغطرسة الإسرائيلية بعد تحول القضية الفلسطينية من رقعة الصراع العربي- الإسرائيلي إلى رقعة الصراع الشيعي الإيراني- الاسرائيلي. في مقابل،تراجع الدور العربي الداعم للقضية الفلسطينية، وانكماش قوى التحرر الوطني.
في مقابل هذا المعطى، أصبحت أولوية المصلحة الوطنية القطرية الداخلية تترسم على حساب " الرهانات القومية" التي جرت وراءها هزائم عسكرية وسياسية متتالية. ناهيك عن اختلال موازين القوة لفائدة إسرائيل ، ميدانيا، وعسكريا، وإعلاميا.
إن استحضار هذه العناصر لا يعني طبعا تبرير همجية الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال، ولا يجد تبريرا للتغول الإسرائيلي طالما أن القضية الفلسطينية هي قضية احتلال، وقضية تحرر. بل إن استحضار هذه المعطيات يتطلب بالضرورة تقديم الحساب السياسي عما جرى باسم " طوفان الأقصى"، وعن حجم الدمار الذي ألحقه بفلسطين.