لم أكن مثل كثير من أبناء جيلي أعرف الشيخة عيدة على عكس فاطنة بنت الحسين و الحامونية و الحاجة الحمداوية ولطيفة أمال .. لكن قبل سماع أغانيها قدر لي أن أزورها في بيتها بمدينة آسفي سنة 2009 بمناسبة الدورة الأولى و الوحيدة من مهرجان أمواج الذي كان يشرف عليه المخرج نور الدين لخماري وهي الدورة التي تم فيها تكريم الشيخة عيدة
بسهولة اهتديت إلى بيتها، سألت عنها فوجدتها في حانوتها تنتظر من يأتي أولا يأتي من زبائن الحي الذي تسكن فيه ، بعد التحية والسلام نادت على بنتها ودخلنا الدار وعلى كؤوس الشاي حاولت أن أسترجع معها بعض الذكريات والأيام الزينة .. فجاءت كلمات عن أيام المجد مع شيخها الدعباجي و تغير الحال من سعة إلى ضيق
بعد سنوات و أنا أعيد مشاهدة فيلم دموع الشيخات للمخرج علي الصافي استعدت ملامح وصوت الشيخة عيدة وقصتها من المجد مع رفيق دربها ومعلمها وشيخها الدعباجي وسنوات ضيق الحال و فصولا من مسيرتها الفنية مع شيخات أخريات ، مسيرة ملأى بالفرح و البهجة ولكن أيضا بالحزن و الأسى
تقول الشيخة عيدة وهي أمام الكاميرا و كأنما تغني أغنية حزينة : مانصحابش الدنيا تفوت مانصحابش الدنيا تغدر .. بقيت فرادي ودرت رجاية في الكريم العالي هو اللي كيشوف، هو اللي كينظر من حالي .. دزنا كدام قياد، دزنا كدام خلفان ، دزنا كدام عمال ، دزنا كدام وزارا .
تغير الحال من سعة إلى ضيق سيبدأ مع مرض ووفاة شيخها ولكن قبل هذه النهاية لهذه الرفقة الفنية، كانت البداية وكانت الأيام الزينة
بدأت قصة الشيخة عايدة مع العيطة ومع الدعباجي في سن الخامسة عشرة وفي ستة أشهر علمها أداء العيطة بعد حفظ قطعها الشهيرة ، دخول عايدة مجال العيطة والفن عموما لم يلق الترحيب من أسرتها وبلغ الأمر حد محاولة تسميمها ، لكن رغم ذلك واصلت المشوار مع شيخها الدعباجي وهنا لابد من التوقف عند مسيرة الدعباجي فقيمة عيدة من قيمة هذا الشيخ المتفرد في صوته وفي مسيرته، يصف الكتاب التقديمي لأنطولوجيا العيطة التي أشرف عليها ابراهيم المزند، الدعباجي بأنه كان من الأوائل الذين غنوا العيطة الحصباوية وقد استطاع بفضل حماسته و موهبته أن يكتسب شهرة واسعة في المغرب ، أمضى الدعباجي حياته التي انطلقت بآسفي عام 1910 بين الحوز ، دكالة ، الشاوية والشياظمة بمعية فرقته و تتلمذ على يد عازف الكمان الشيخ بن دحان ، أدخل الدعباجي أساليب جديدة للتعبير في العيطة كالتغني ببعض المفارقات الاجتماعية بطريقة ساخرة و كانت عروضه الموسيقية تتضمن فقرات للرقص تنتهي بإيقاع رتيب ، كان رباعي الدعباجي يجمع ثنائيين من الطراز الرفيع هما لشهب و عبد السلام وعيدة وسكندرية حيث قدموا عروضا رائعة و يمكن القول إنه بعد رحيل لشهب عام 1973 و عبد السلام عام 1978 وبعد هم محمد الدعباجي فقدت العيطة الحصباوية الفنانين الذين كانوا يتقنونها والذين حافظوا بكل أمانة على خصوصيتها إلى آخر أيامهم
مع شيخها الدعباجي عاشت الشيخة أزهى أيامها و استطاعت أن تبصم بصوتها المتميز أشهر قطع ريبرتوار العيطة مثل حاجتي في كريني وسيدي احمد ورجانا في العالي وخربوشة والحصبة ولافة كما علمت فن العيطة للعديد من الشيخات كفاطمة الزريكة وربيعة والسعدية بنات الوطيري والسعدية بنت الهاشمية وشامة
بعد سنوات على زيارتي لها بمناسبة مهرجان أمواج زادت السنون من تعب الشيخة عيدة ووهن عظمها وفقدت بصرها وأصبحت في حاجة إلى رعاية خاصة ومكلفة وبين الفين و الآخر تمتد الأيادي البيضاء لبعض الفنانين للتخفيف عنها
خريف العمر صعب لكن ما يخفف من صعوبته نوستالجيا ربيع الفن ذات زمان وهذا حال كثير من شيخات زمان






