تحليل

أي رهان لملتمس الرقابة في الوضع الراهن؟

عبد اللطيف قيلش (دكتور في القانون العام والعلوم السياسية)
تجدر الإشارة أنه سبقت للتجربة البرلمانية المغربية أن عرفت تفعيل آلية اللجوء التشريعي لملتمس الرقابة سنتي 1964و1990، دون التمكن من إسقاط الحكومتين.

فسياق 1990 تميز بدينامية اجتماعية وحقوقية ونسائية، وهو ما تميز أيضا بالتنسيق النقابي بين المركزيتين الكونفدرالية الديموقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وهو ما أفضى إلى الإضراب العام الوطني لـ 14دجنبر 1990. ميدل على أن المعارضة كان لها صداها في المجتمع. كما تجدر الإشارة أن التأطير الدستوري الحالي لملتمس الرقابة يتم عبر الفصل 105الذي يسمح "لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة؛ ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.

لاتصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم. لايقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس؛ وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.

إذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة السنة". كما منح دستور 2011 هذه الإمكانية لمجلس المستشارين بمقتضى الفصل 106بحيث"لمجلس المستشارين أن يسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خمس أعضائه؛ ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس. يبعث رئيس مجلس المستشارين، على الفور، بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة ؛ولهاذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب الحكومة، يتلوه نقاش لايعقبه تصويت ."

وانطلاقا من ذلك، وجب طرح سؤال ماخلفية طرح ملتمس الرقابة في الظرف الراهن؟ وما جدواه؟ وما موقع المعارضة الحالية وخصوصا الديموقراطية في المشهد السياسي المغربي؟ إذا كان تحريك هذه المعارضة تم من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بغاية تحريك الحياة السياسية المتسمة بالجمود، فإنه بغض النظر عن محدودية عدد المعارضة في البرلمان الذي لا يسمح لها بإسقاط الحكومة. فمن الناحية السياسية، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يعد هو حزب الثمانينات أو التسعينات.

فالحزب يعيش أزمة مزمنة ووجودية منذ تجربة التناوب التوافقي تتمثل في التخلي عن هويته ومبادئه، وانخرط في مسلسل القطع مع إرثه، وهو ما عرضه للعديد من التصدعات الداخلية، وفقدانه لجزء كبير من قاعدته، ولعل نتائج الانتخابات مؤشر على طبيعة وضعه.

إن الأحزاب الديموقراطية تشكو اليوم من أعطاب بنيوية، سواء ما يتعلق بموضوع الهوية والمرجعية، أوما يتعلق بموضوع الديموقراطية الداخلية، المتمثلة في التداول على المسؤوليات عبر انتخابات حرة ونزيهة، واحترام زمن المؤتمرات، واتخاذ القرارات من طرف المؤسسات وفق القوانين الداخلية، كما أن الملاحظ أن ظاهرة الأعيان وترشيحها للانتخابات، لم تعد ظاهرة لصيقة بالأحزاب الإدارية فقط، بل اخترقت حتى الأحزاب التي كانت تنتقد الظاهرة، زيادة على فقدان استقلالية القرار السياسي.

لقد باتت هذه الأحزاب خالية من الأطر والمناضلين الذين يتعرضون للتهميش، مقابل إغراقها بالأعيان والفاسدين. هذا جزء من الأعطاب التي كانت لها تداعيات على نبل العمل السياسي والحزبي، ما جعل الأحزاب تفقد جاذبيتها ومصداقيتها.

وبناء على ما سبق، فإن الخروج من الجمود السياسي لا يمكن اختزاله في مبادرة معزولة من قبيل ملتمس الرقابة. إن الأحزاب الديموقراطية التي لعبت دورا أساسيا في الحياة السياسية المغربية، ومطالبة بالقيام بقراءة تاريخية نقدية للتجربة، والوقوف على عمق أسباب الإخفاقات، واتخاذ قرارات جريئة للقطع مع الأخطاء، وتخطي العوائق البنيوية، ومد الجسور مع المجتمع، ودمقرطة الحياة الداخلية. وفي هذا الإطار، فإعادة الاعتبار للثقافة والفكر في الحياة السياسية والحزبية، إحدى سبل الخروج من الجمود.