فن وإعلام

"كذب أبيض" ... لم تعد الاكذوبة أكذوبة بل أصبحت حقيقة ساطعة

خالد الدامون ( ناقد سينمائي)

 

"العنوان بالعربية: كذب أبيض

باللغات الأخرى: أم لكل الأكاذيب (la mère de tous les mensonges)

لم تعد الأكذوبة أكذوبة بل أصبحت حقيقة ساطعة: الفيلم المغربي يتمكن من الحصول على جوائز في كبريات المهرجانات. 

كنا ننتظر هذه اللحظات منذ مدة وكنا نقول دوما : السينما ابتكار. السينما بحث. السينما صورة الفكرة المنبثقة من وجدان الإنسان العميق. السينما تجاوز واستحضار: تجاوز لما رأيناه واستحضار لما نراه. 

أسماء المدير انطلقت من فكرة بسيطة عندما انغمست في أكذوبة رائجة في المجتمع المغربي: "الحيوط عندهم الوذنين" في المقطع الأخير من الفيلم نشاهد طلوع الشمس من جديد/ صورة الحسن الثاني بيد الجدة / تقبل الصورة / تنظر إلى الكاميرا / تقول: الحيوط عندهم الوذنين.

 الفيلم عبارة عن لعب بالصورة: حول صورة الحسن الثاني صور الرسام، صور الدمى، صور متحركة، صور ثابتة... صور كثيرة... 

لعبت المخرجة بالصورة في الفيلم بشكل رائع دعمته بأصوات الأعراس والشعارات وأغاني ناس الغيوان: "نرجاك أنا" وأخبار الإذاعة وكرة القدم: الرجاء البيضاوي، وأخبار الإعدامات : فاطمة ومن معها...

المشاهد في الفيلم كلها من صنع المخرجة... الصورة الوحيدة من الأرشيف: صورة الشارع والموتى.

تتدخل المخرجة قصدا في السرد عندما تدخل رأسها في الكادر لتنظم جزئيات الديكور، لكن تدخلها الأساسي يأتي عندما توقف كل الأصوات بصوت قطعي وحاسم: عاش الملك

هل هناك مخزن واحد أم هناك مخزن آخر، مخزن الجدة؟

الجميل في الفيلم أن الكتابة السينمائية بنيت على نوع من السيولة المشهدية التي تحيل على التاريخ، على الوجدان، على الثرات، على الشخصية الرئيسية في الفيلم: الجدة التي تتشبت بالصورة وتقبلها وتفرض على أفراد العائلة سلوكا تراه ضروريا. 

يعيدنا الفيلم إلى صور الجدران في الثرات وفي السينما : "ما هموني غير الرجال إلا ضاعو"، "لو كانو يطيحو لحيوط" "يول " للمخرج التركي يلماز كوني، وأفلام أخرى كثيرة حول الجدار: جدار فلسطين، جدار برلين، جدار المكسيك... كما يعيدنا إلى مفهوم الجدار الرابع الذي يمنع المخرجين من الحديث مباشرة إلى الجمهور بدون أي عائق. أسماء المدير حاولت وهي تؤثت ديكورها في حديث مع أبيها أن تقحمنا في بناء مشاهدها وكأن بلاطو التصوير المصغر الذي يظهر على الشاشة هو البلاطو الذي توجد فيه هي إلى جانبنا إشارة إلى أن ما نشاهده هو تاريخنا، هو مسارنا، هو ما يجري في عروقنا.

إنه "كذب أبيض" لكنه كذب بكل الألوان.".