مجتمع وحوداث

مَظَاهِر وظَواهِر شَنِيعَة

صلاح بوسريف
حادث سرقة الكاتبة نيكوليتا بورتولوتي بمراكش، هو بين حوادث أخرى تقع في أكثر من مدينة، وفي أكثر من مكان، لا للسياح أو الأجانب وحدهم، بل للمغاربة أنفسهم، وفي حالات تكون أسوأ، فيها الضرب والجرح، والتهديد بالسُّيوف والسكاكين، أغلب مرتكبيها، من مُسْتَعْمِلِي الدَّرَّاجات النَّارية، الذين يتربَّصُون بالمَارَّة في الشوارع، والأزقة الفارغة، فِي الأحياء الشعبية، وفي الأحياء الراقية، لا فرق، فاللِّصُّ لا يُمَيَّز بين النَّاس، ولا يُمَيِّز بين طبقاتهم، لا يُشْفِقُ على الفقير المُعْوِزِ، ولا على الغنيّ المُرفَّه، تعنيه الغنيمة التي يَقْتَنِصُهَا، في لحظة خَاطِفَة، بعد أن يكون تعقَّبَ صاحبها، أو صاحبتها، اسْتَدْرَجَهُ، أو اسْتَدْرَجَهَا إلى الفَخِّ، فِي الأمكنة التي يراهَا مُناسِبَة، لا تعنيه الكاميرات ولا المَارَّةُ، ما يعنيه هو نهب ما يراهُ مُتاحاً، أو ما صار ملء يده.


صحيح أنَّ أغلب هؤلاء يُعْتَقَلُون، ويتِمُّ الوُصول إليهم، وفي حالات كثيرة يُطارِدُهُم المواطنون، ويعتقلونهم، قبل الشرطة، لكن المشكلة ليست في اعتقالهم، بل في انتشار هذه الظاهرة، واسْتِفْحَالِهَا، لتصبح هذه الدَّرَّاجات شُبْهَة، وحالة خوْفٍ ورُعْبٍ، وهذا ما عِشْتُه شَخْصِيّاً، في ثلاث مرَّات، الأولى سُرِقَ مِنِّي هاتفي على حِين غِرَّة، كان السَّارِقُ راكِبَ دَرَّاجَةٍ، وفي المَرَّة الثَّانِيَّة، لم يتحكَّم السَّارِق في الهاتف، ليبقى في يدي، طاردَهُ شُبَّان، لكنهم لم يمسكوه، وفي المرَّة الثالثة، كانت حقيبة زوجتي هي الهدف، لكن دون جدوى، لأنَّنِي وأنا رُفْقَتَهَا، لا أتركها على طرف الرضيف المُحادي للشَّارع، حيث تحدُثُ الغَفْلَة، وتقع الواقعة.


حقيقة، صِرْتُ شديد التَّوَجُّس من أصوات هذه الدَّرَّاجات التي تناسلت كالفِطْر، ورغم أنَّ بصري أمامي، فأذني أتركُهَا خلْفِي تتسمَّعُ وتتسقط ما قد يكون من أصوات، رغم أنَّ أصحاب هذه الدَّرَّاجَات من اللُّصُوص، يكتمون أصواتها، في اللحظة الحاسمة، وغالباً ما يكون على الدَّرَّاجَة السَّائِقُ والسَّارِق خَلْفَه، وهذا الأخير، هو من عليه انتزاع ما سينتزعه من مسروقاتٍ، بحركة محسوبة، فيها مهارة خاصَّة، هي ما يُجيدُهُ هؤلاء بطريقة فيها حِرفيَّة عاليَّة. 


أفظع حالات السَّرِقَة، تكون بأكثر من درَّاجَة، وبأكثر من شَخْصٍ، تُسْتَعْمَلُ فيها السَّكاكين والسُّيُوف، وغالباً ما تكون النِّساء والفتيات هُنَّ الضَّحايا.


وإذن، فهذه من المظاهر والظَّوَاهر التي اسْتَشْرَت وانْتَشَرَتْ، وأصبحت تُسِيء لنا جميعاً، رغم ما يكون من دَوْرِيات، ومن دَرَّاجين من الشرطة من يتجوَّلُون في الطُّرُقَات، ورغم وجود الكاميرات، ووُصُول الشرطة إلى هؤلاء، فهذا لا يكفي، لأنَّ الأمر يحتاج إلى إعادة النَّظَر في مفهومنا للانحراف، ومن يكون هؤلاء الشبان، ولماذا اخْتَاروا هذه الطريقة في العيش، وفي الاعتداء على النَّاس، بسرقتهم، وبضربهم، أو ترهيبهم، وما أسباب انتشار هذه الظَّاهرة التي بلغَتِ الأجانب من السياح، ونحن، في الأيام القادمة، وفي غيرها من أيام مُقْبِلِين على اسْتِحْقَاقات دولية، فهل يكفي القبض على السَّارِق والوُصول إليه في وقت قصير، وهذا شيء جِدّ مُهِمّ، أم أنَّ خير العِلاج هو دراسة، ومُراقَبَة، ومعرفة، ومُساءلة أسباب هذه الانحرافات الشَّنِيعَة، وهذا، في ذاته، يكون مُقَدِّمَةً، لِمَا يمكن أن يكون العِلاج، أو بعض العِلاج. فلا يكفي أن نُطْفِيءَ النَّاَرَ ما إنْ تَشْتَعِل، بل علينا معرفة أسباب اشتعالها، لِتَدارُكِهَا قبل أن تشتعل مرَّةً أخْرَى، كما تفعل مراصد الزلازل والبراكين، لا أن نُطْفِئَ النَّار ونعتبر الخطر زالَ، بل علينا البحث في الرَّمَادِ عن الجَمْر، حتَّى لا تعود النَّار لتشتعل ما إنْ تَهُبَّ عليها ريح عابرة خفيفة تنفُخُ فيها لتنتشر في الهشيم.