مجتمع وحوداث

فيروز تغني.. وتازة تدفع

حميد غونو

تازة التي تنتظر سياسات إنقاذ، لا محاضر مخالفات، تستحق أن تعامل كمدينة تحتاج دعما، لا جباية

قرر مكتب حقوق المؤلف أن يختبر جديته على حائط قصير،إسمه تازة، لم لا ؟، مدينة مازالت تلملم رماد الحرائق وترقع جراحها كما يرقع ناسها البسطاء بقية أيام الشهر.

ورغم ذلك أصر المكتب على القيام بواجبه البطولي، فقد اكتشف أن مقهى صغير في مدينة بعيدة كما هو شائع في المثل المغربي " ومابعيدا غير تازة " يجرؤ نعم يجرؤ على تشغيل " نسم علينا الهوى " ذون إذن كتابي، وكأن فيروز نفسها كانت ستقفز من السحابة الرابعة لتحتج، لهذا، حرر موفدوه محضر مخالفة وسلموه لنادل يحفظ أسعار القهوة أكثر مما يحفظ كلمات الأغاني، وزبائن يحتمون من صقيع الصباح بالقهوة ورائحة النعناع لا بالنغم. 

نعم، فيروز التي كانت توقظ بيروت والعالم على صوتها، أصبحت توقظ في شوارع تازة محاضر المخالفات تحرر ضدا على تشغيل فن راقي بالكاد يقاوم زحف الرداءة التي طالت المشهد الفني .

فيروز التي تغني " رجع أيلول " لكن في تازة أيلول لا يرجع إلا بغرامات جديدة .

وتغني " أنا لحبيبي " لكن حبيب تازة هو الصبر .

وتغني "كان عندنا طاحون" وفي تازة كان اقتصاد قبل أن يطحن.

كان جديرا قبل التفكير في معاقبة من يشغل أغاني فيروز أن يسأل عن الذين يشغلون صبر تازة يوميا دون ترخيص .

ليس المطلوب إلغاء القانون الذي قال مدافعا عنه ذات يوم بالبرلمان وزير الثقافة " مهدي بنسعيد" أنه يسعى إلى تعزيز صلاحية المكتب، وتطوير طريقة تدبيره وإدارته ".

 ولكن المطلوب هو ترتيب الأولويات عندما يتعلق الأمر بتدبير الشأن الثقافي.

مفارقة تازة اليوم ليست في غياب البنية الثقافية، بل في حضور جهاز إداري ثقافي فجأة وبكل حيوية وانضباط ، مكتب حقوق المؤلف، في دور المحامي، لا من أجل ثرات تازة، ولا من أجل مٱثرها المنسية، بل لتحرير مخالفات ضد مقاهي تقوم بدور وزارة الثقافة من حيث لاتدري، تحتضن الشباب وتخفف وحدتهم، وتجمعهم حول طاولة شاي بدل الشارع.

إذن، هل يمكن أن تحاصر الموسيقى بينما تترك الأسوار التاريخية التي اشتهرت بها المدينة تنهار، لعل أفضع مظاهر انهيارها وضياعها يوجد بجوار إقامة عامل الإقليم . وأفضع ما يمكن أن يرقى الى درجة التقصير الإرادي في صيانة الثرات الوطني. بناء خزان ماء ملتصق بحصن البستيون المتهالك أصلا. أو ضياع البرج الملولب، أو تعطل أشغال ترميم المسجد الأعضم . أو الإهمال الذي طال المدرسة المرينية العتيقة المحاذية لهذا المسجد، أو هشاشة المشور بقلب المدينة.

هل يعقل أن يعاقب مشغل أغنية بينما لا يحاسب المسؤول عن غياب قاعات الثقافة، والسينما والمسرح .

هل يعقل أن تحمى حقوق المؤلف أكثر مما تحمى حقوق المواطن في فضاء ثقافي كريم. 

تازة تحتاج إلى وزارة ثقافة تنزل إلى الأرض لا إلى مراقبين يعدون أنفاسها وسمعها، أما صوت فيروز فهو عزاء خفيف في صباحات متخنة بالجراح .