تابعت، الجمعة، الوقفة الاحتجاجية التي نُظمت أمام وزارة الثقافة، وحضرها عدد من الزملاء الصحفيين. وما لفت انتباهي مجدداً هو ذلك الخلل المزمن الذي سبق أن نبهت إليه: تسرب أعداد كبيرة من منتحلي صفة "الصحفي"، وكذلك استثمار بعضهم للمهنة كأداة حصرية لخدمة أجندات أيديولوجية وسياسية، سواء كانت صادرة عن اليسار الراديكالي (بما فيه التروتسكيون) أو عن التيار الإسلامي، وفي مقدمته جماعة العدل والإحسان.
اليسار المتطرف اليوم في مواجهة وجودية مع الليبرالية وقيمها، وهو يستخدم أدوات بريئة في ظاهرها تماماً كما يستخدم الإرهابيون الأسمدة الزراعية لصنع المتفجرات. هذه الأدوات التي يحرفها عن وظيفتها الأصلية هي: الحزب السياسي، النقابة، النضال الحقوقي والثقافي، والإعلام نفسه. كلها تتحول إلى أدوات تنفيذية تكتيكية مشتتة بهدف التمويه، لكنها تخدم هدفاً استراتيجياً واحداً.
خذ مثلاً النقابات: بدلاً من أن تكون النضال النقابي موجهاً نحو مكاسب سوسيو-اقتصادية ملموسة للطبقة العاملة المغربية، نجد بعض قياداتها يحولون النقابة إلى مجرد ذراع تنفيذي لأجندات دولية لا علاقة لها بمصالح العمال المغاربة. لقد رأينا محاولات تنظيم إضرابات في الموانئ المغربية لتعطيل حركة الحاويات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. هنا يتحول العامل المغربي إلى مجرد أداة رخيصة ذات استعمال واحد في يد استراتيجيي الأممية الرابعة (التروتسكيين) أو غيرهم.
الصحافة المغربية اليوم في مفترق طرق خطير. مهمتنا المركزية هي انتزاع استقلاليتنا الكاملة وتحصينها ضد سلطة السياسة وسلطة المال معاً، ثم تطهير الجسم الصحفي من التفاهة والصحافة الصفراء، وأخيراً – وهذا هو الأهم – تنظيف المهنة من منتحلي الصفة الموسميين الذين يشكلون طابوراً خامساً حقيقياً يخدم اليسار المتطرف والإسلاميين على حد سواء.
فقط عندما ننجز هذه الخطوات الثلاث بصرامة، يمكننا أن نتحدث بجدية عن تنظيم ذاتي حقيقي للقطاع، وعن صحافة وطنية مستقلة تخدم المصلحة العامة لا أجندات خارجية أو داخلية مشبوهة.






