صادفتني ككل رواد وسائل التواصل الاجتماعي رسالة معنونة بحان وقت التحرك في العمق وموجهة إلى رئيس الدولة وملك البلاد في ظاهرها، لكنها في عمقها واجهة جديدة لمحاولة بئيسة لإعادة إنتاج الوصاية على وعي الشباب المغربي و الركوب على مطالبه العادلة،.
فمن صاغ هذه الرسالة يتحدث بلسان الأجيال الجديدة، بلغة تنتمي إلى زمن الوصاية، وباسم الشعب مدعيا امتلاك الحقيقة المطلقة، دون أن يرف له جفن أمام حجم الخداع الذي يمارس على الرأي العام، وأن من سيقرأ هذه الرسالة لا يحتاج إلى كثير من الجهد ليكتشف أن مضمونها لا يعدو أن يكون محاولة مكشوفة للالتفاف على المطالب المشروعة التي عبّر عنها الشباب في الشوارع والفضاءات الرقمية، بتحويلها إلى شعارات “متجاوزة” تفرغها من بعدها الاحتجاجي المشروع، وتعيد توجيهها نحو سطو علني يسعى إلى التفاوض على أنقاض الغضب الشبابي.
ما يثير الانتباه في ذات الرسالة هو ادعاؤها البين الحديث باسم جيل “z” وكأن هذا الجيل يحتاج من يتحدث باسمه، متناسين أن الشباب الذين خرجوا وصرخوا في وجه الحكومة وسياساتها اللا شعبية، لا ينتظرون ممن يحسبون على النخب المترهلة والمترددة أن تمنحهم شرعية التعبير، فهم يدركون تمام الإدراك بأن هذه الأصوات “الوسيطة” ما هي إلا أدوات مقننة للركوب على الموجة واقتناص الفرص والاتجار في المآسي..
هذه الرسالة، رغم لغتها المرتبة ظاهريا، تعيد إنتاج منطق الوصاية على الدولة وعلى المجتمع معا. فهي تتحدث عن “مصالحة الدولة مع المجتمع” بينما تتغاضى عن حقيقة الصراع بين القوى الاجتماعية التي تصنع الثروة وتلك التي تحتكرها. تتحدث عن “الأمل في النفوس” لكنها تتجاهل الأسباب البنيوية لليأس: البطالة، الفوارق الطبقية والمجالية، واحتكار القرار السياسي من قبل فئات حكومة متغولة. ثم ترفع شعار “الإصلاح في العمق”، لكنها تتجاهل أن أي إصلاح لا يمر عبر القطع مع اقتصاد الريع ومراكز النفوذ المالي والسياسي.
أما الحديث عن “فتح حوار وطني شامل” فهو فرض للتوجيه على الملك وهذا أمر غير مقبول بتاتا، فمنذ متى طالب المعارضون جلالة الملك أن يقدم التعازي لأحد أو أن يرتب أولوياته حسب هواه أو ينتظر صفارة الإنذار من أحد، متناسين أن الملك أدواره مؤطرة دستوريا لأنه هو من يوجّه وليس العكس، وأن الرسالة المعلومة تفريغ للاحتجاج من مضمونه، وأن الملك لا ينتظر رسائل من فوق/ تحت وأن الشباب بدورهم لا ينتظرون من يكون سفيرا فوق العادة لاحتياجاتهم الفردية والجماعية لأنهم يطالبون بالعدالة الاجتماعية والكرامة والحرية الحقيقية، لا بالبيانات الإنشائية التي تصدر من ذوات أنانية متضخمة.
إن أخطر ما في هذه الرسالة هو محاولتها إعادة رسم حدود المسموح والممنوع في الفعل الاحتجاجي، وتوجيه الحراك نحو قنوات التدمير بدل التغيير. هي ليست نداء للإصلاح أو التعاقد، بل محاولة لرسم موقع جديد يسمح بالإمساك بزمام المبادرة من طرف من لا مكان له في السياسة والشارع.
لذلك، فإن الرد الحقيقي على هذه الرسائل ليس بنقاشها لكن بتعرية خلفياتها ومقاصدها، وأن من يتحدث باسم الشباب دون أن يعيش معاناتهم اليومية إنما يخدم بوعي أو بدونه إن افترضنا حسن النية، استمرارية نفس البنية التي يزعم أنه ينتقدها، ونقول ببساطة: لقد آن الأوان أن يُقال للكل وبوضوح: من يريد التغيير لا يفرض التوجيه، ومن يتحدث عن الشعب لا يمارس الوصاية.






