رياضة

رحلتي مع الصحافة (26)...معتصم وطواف المغرب..

يونس الخراشي (صحفي)

كانت مسألة السفر لتغطية التظاهرات الرياضية شأنا سلسا بالنسبة إلى الزملاء في القسم الرياضي بجريدة "الصباح". وهكذا، فقد تناوب الجميع على تغطية أبرز المنافسات وطنيا ودوليا. غير أن ما ميز تلك التغطيات هو التعاون الجميل بين المعنيين، فما أن يسافر أحدنا إلى مكان ما، سواء داخل المغرب أو خارجه، حتى يكون الآخرون "في ظهره"، يساندونه، ويمدونه بالنصح، ويسهلون له كل ما يمكنهم، عساه ينجح في المهمة، على اعتبار أن نجاحه فيها يشكل تميزا للقسم الرياضي من جهة، ولكن أيضا، وهو الأهم، للجريدة كلها، وهي تراهن، في تلك السنوات الأولى للألفية الثانية، على التقدم إلى الصف الأول في مبيعات الصحف المغربية.

وأذكر هنا أن طرح موضوع تغطية طواف المغرب للدراجات، دورة سنة 2005، لم يكن لينصرف إلا إلى الزميل والأخ محمد معتصم، لاعتبارات متعددة، لعل أبرزها على الإطلاق، كونه واحدا من أعرف الصحافيين المغاربة برياضة الدراجة، بأنواعها، فضلا عن كونه من المتتبعين الشغوفين بالطوافات، ومن الأكثر معرفة بالدراجين، بل هو من الأكثر دراية بالدراجة، وجزئياتها الصغيرة، حتى إنه مارس الرياضة نفسها، وصار، مع مرور الوقت، صديقا صدوقا لعناصر المنتخب الوطني للدراجات، ولعدد كبير من المسؤولين في الأندية وفي الجامعة الملكية المغربية، وغيرهم.

وحين غطى طواف المغرب، موفدا عن "الصباح"، تبين إلى أي حد هو مهم وأساسي أن يكون الصحافي الرياضي متخصصا في رياضة بعينها، على اعتبار أن ذلك يسهل عليه أداء مهمته، ويجعله متميزا في الكتابة (التوصيف الإذاعي والتلفزيوني). فكانت الصفحة التي خصصت للأخ معتصم تصدر في اليوم الموالي متلألئة بمقالاته المطروزة، وأخباره الدقيقة والحصرية، معززة بتصريحات مهمة، قلما تجدها في جهة أخرى، بالنظر إلى عنصر الصقة الذي ربطه، دائما، بالدراجين المغاربة.

كان الأخ معتصم يعاني كثيرا جراء تلك التغطية، التي احتاجت منه إلى جهد غير مسبوق، في المتابعة، والتلاؤم مع المأوى، وضرورة العثور على مكان يصلح للكتابة. وأذكر أنه كتب مادته الإعلامية، في مرة من المرات، وهو واقف، لأنه كان مجبرا على إبقاء الحاسوب مربوطا بالكهرباء. ثم إذا به يكتشف بعد حين بأن كل ما كان يكتبه ينمحي، ذلك أن "الكيرسور" كان يتحرك بلمسة منه، فيمحو كل شيء مكتوب، مما اضطره إلى أن يعتمد على الورقة والقلم، ويترك حاسوب الزميل منصف اليازغي جانبا.

وبينما كان الآخرون يتناولون وجبة العشاء، كان على الأخ معتصم أن ينطلق من فندق إلى فندق، حيث يقيم الدراجون، والمسؤولون، ليحصل على المزيد من التدقيقات، والتصريحات، حوالي التاسعة ليلا من كل يوم، ثم إلى غرفته، أو مكان معين، لكي يفرغ المادة من المسجلة الصغيرة، حتى حدود الواحدة صباحا، ثم يستيقظ في السادسة من صباح اليوم الموالي لكي يبعث المادة من أقرب "سيبير"، عبر الفاكس.

كان عملا مرهقا للغاية، ولا مكان فيه لأي خطأ، بما أن الأمر يتعلق بأرقام مضبوطة بالثانية، وبأسماء مضبوطة بالنقطة. وفي مرة من المرات، وبينما كان معتصم بصدد البحث عن "سيبير" ليبعث المادة الإعلامية، إذا به يتأخر شيئا ما، بحيث تحرك الدراجون، ولم يفطن السائق الذي كان يوجد برفقته أثناء الطواف إلا لاحقا، ليبدأ الاتصال، والبحث عن طريقة للعودة إلى محطة موحا أوحمو الزياني، بناحية خنيفرة، ليركب مع المعنيين.

ما حدث، في ما بعد، وقد عاد السائق، فعلا، وركب معه الأخ معتصم، هو أنه حاول اللحاق بالدراجين، لكي بتابع مهمته، غير أن ذلك لم يكن يسيرا، إذ أن السيارة لم تكن مسبوقة بدركي يفتح لها المسار. وهو ما سيحدث لاحقا، ليرفع السائق السرعة إلى حد كبير، فيكاد، عند أحد المنعرجات، أن يسقط في الهاوية، ما جعل الجميع يظنون بأنهم إلى هلاك مبين، لولا الألطاف الربانية، التي تداركتهم في تلك الأثناء.

أما واحدة من طرف تلك الرحلة، التي استمرت لعشرة أيام، وتميزت فيها جيردة "الصباح" بتغطية متميزة، بقيت موشومة في تاريخها، فهو أن مدرب المنتخب البولندي، الذي كان مسيطرا على الطواف، وهو يرمق صورة لأحد دراجيه بالألوان، على صفحة التغطية الخاصة بالجريدة، وهي بين يدي الأخ معتصم، فقد طلب منه أن يحتفظ بالنسخة. ثم صار يأتي في كل صباح ليطلب نسخته من الأخ محمد، والذي صار بينه والرجل علاقة ود، تنفع في الحصول على شيء جديد ومفيد للجريدة.

كانت تلك التغطية ممتازة جدا. ولعلها عوضت الأخ معتصم، ولو نسبيا، عن غصته التي بقيت في حلقه حين لم يتسن له الحضور في دورة أثينا للألعاب الأولمبية، مع أنه كان معتمدا من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، وكان على أهبة من كل ناحية، إلا من واحدة، وهي الإدارة التي رفضت السماح له بالسفر إلى اليونان. قيل له، في تلك الأثناء، إن غيابك عن السكرتارية سيخلف فراغا يصعب ملئه، على اعتبار أن زميلك يونس الخراشي قدم استقالته من السكرتارية، وأصر عليها، وقيل لنا شيء آخر، وهو أن ضمان غرفة للزميل معتصم بأثينا أمر صعب، بل شبه مستحيل، وربما يكلف الجريدة أموالا لا قبل لها بها. 

ومع ذلك، فقد اتفقنا على متابعة الدورة من المكتب، بحي بوركون بالدار البيضاء، وقسمنا العمل في ما بيننا، بحيث كلفت بألعاب القوى، بينما كلف الزملاء معتصم ورمرام واليازغي والقشيري كل بنوع رياضي أو نوعين، وجاءت التغطية في غاية التميز، بحيث كنا نشتغل ليل نهار ودون توقف، وتأتينا الأصداء من اليونان نفسها، حتى إن الراحل مصطفى مديح، رحمة الله عليه، كان اتصل بالأخ منصف اليازغي، يعاتبه على خبر صدر بالجريدة، يتحدث عن مشاداة كلامية بينه ومساعده موح، معتقدا أن الخبر يقول بشجار، بينما الأمر كان يتعلق فقط بمشاداة كلامية عابرة.

حين انتهت دورة أثينا 2004، حصلنا على تهنئة من الأستاذ بليزيد. ومع ذلك، لم ننس، يوما ما، أن الأخ معتصم حرم من الحضور في تلك الدورة الاستثنائية، التي شهدت فوز هشام الكروج بذهبيتين، في سباقي 1500 و5 آلاف متر.