فن وإعلام

رحلتي مع الصحافة (8 ): العربي المساري

يونس الخراشي ( صحفي)

عندما سلمني الراحل العربي المساري دبلومي في حفل اختتام الموسم الدراسي، سنة 1997، كنت مزهوا للغاية، وأنا أرى حصاد سنتين من التعب والعمل الشاق يتوج بميزة مشرف، والأول على الدفعة، التي ضمت أسماء وازنة جدا من الإعلاميين في الصحافة المكتوبة والمرئية المسموعة (لم تكن الصحافة الإلكترونية / الرقمية ظهرت في تلك الأثناء).

أذكر جيدا ما قاله العربي المساري، أحد أقطاب الصحافة الحزبية، والوزير السابق في الاتصال، وهو يحييني بحرارة، ونحن نقف في مصطبة عالية، بمواجهة الحضور، قال:"ينبغي أن يعرف الطلبة أن هذا الدبلوم بمثابة رخصة سياقة. فالرخصة لا تعني بالضرورة أنك تجيد السياقة، بل هي تمنحك الإذن بالسير والجولان، ويتعين عليك أن تتعلم جيدا مع مرور الوقت، وتصبح سائقا جيدا".

حين عدت إلى البيت، في ذلك اليوم الصيفي، وقدمت الدبلوم لوالدي، رحمه الله، ابتسم ابتسامته المضحكة ككل مرة، وهنأني، داعيا لي بالخير. كان المرض قد بدأ يشتد عليه في تلك السنوات، ولم تمض إلا ثلاث سنوات على ذلك اليوم حتى أفضى إلى ربه، بتاريخ 18 يناير 2000. 

بعد تلك الفترة التدريبية القصيرة في جريدة الاتحاد الاشتراكي، صيف سنة 1996، كتب لي هذه المرة أن أنطلق في طريق آخر تماما. بتدريب عجيب ومثير في جريدة "الصحراء المغربية"، حيث سأقضي فترة مطولة، قاربت السنة، دون أن يتسنى لي العمل مع زملائي هناك، ممن تعلمت منهم الكثير، وعدت لأعمل معهم سنة 2024.

كنت أبحث عن فرصة عمل، إذ جاءني هاتف من الأخ هشام رمرام، قبيل يونيو 1998، يقول لي فيه:"حضر طلب تدريب بجريدة الصحراء المغربية. يبحثون عن متدربين لينشطوا في القسم الرياضي". فكرت مليا في ما قاله لي رمرام، وقررت أن أتوكل على الله. وما وطد الاختيار عندي، مع أنني كنت أفضل الاشتغال بالمجال الثقافي والفني أو السياسي أو الاجتماعي، ما قاله لي الأخ والزميل عبدالواحد ماهر، صاحب المقترح، والمدافع عني وعن هشام:"يونس، اسمعني مزيان. إنسى علي القصص والقصائد، وقلب على الخبز".

سرعان ما اجتزنا الاختبار الذي أجراه لنا الأخ والزميل حسن العطافي، في يوم حار، بمقر الجريدة بشارع محمد الخامس، بالدار البيضاء. كان يبدو مشغولا للغاية، ويبحث بالفعل عمن يساعد. قال لنا إن العمل ينطلق في وقت مبكر، وعلينا أن نكون عند حسن الظن. وتركنا ننصرف، فيما انطلق، مسرعا، إلى شغل في الانتظار.

في ما بعد، فهمت، وقد واصلت التدريب بجريدة الصحراء المغربية، بينما تلقى هشام رمرام عرض عمل بجريدة رسالة الأمة، ووافق عليه، أن الأمر متعب بحق. فقد كانت الجريدة تعد ملحقا يوميا حول كأس العالم 1998، من 12 صفحة. كان عملا مضنيا، ويحتاج إلى تنسيق، وتأطير، والكثير من الكلمات، والصور، والرقن، والتوضيب، وإلى الطباعة والتوزيع، في الأخير.

وصلت مبيعات جريدة الصحراء المغربية، حينها، وحسبما بلغني، ما يفوق 60 ألف نسخة. وكان للقسم الرياضي نصيب الأسد في تلك الفورة من المبيعات، بقيادة سي محمد الباتولي، سكرتير التحرير، الممسك بالخيوط، والموجه العام لجميع الصحافيين، والذي كان يفقه في الرياضة، ويعشق نادي الوداد الرياضي، ويحب الشباب، ويدفع بهم إلى الأمام.

قدم لي الأخ حسن العطافي، وكان رئيسا للقسم الرياضي، من البداية، يد العون، وسهل علي الكثير من الصعاب. فكان أخا كبيرا، واستاذا معلما في الآن نفسه. حرص على أن تكون كلماتي متوافقة تماما مع تلك التي تستعمل في قسم الرياضة لجريدة الصحراء المغربية، مع شروح يومية، وتبريرات، وتوضيحات. وتقبل مقالاتي باستحسان كبير، حتى إنه كلفني بمهام كثيرة. وفي مرات متعددة، وجدته يفتتح الصفحة الأولى بمقالاتي، ليشجعني، ويؤكد لي أني على الطريق.

كان القسم الرياضي لجريدة الصحراء المغربية منتخبا حقيقيا للصحافيين الرياضيين، يتقدمهم الزملاء بوشعيب النعامي، ورشيد ساسي، وعزيز القبا، ومحمد بنثابت، وسعيد رزكي؛ اللاعب السابق، والصحافي المتعاون حينها، فيما كان آخرون يقدمون يد العون، ومنهم على الخصوص محمد معتصم، وعزالدين المخلوفي، وفؤاد أوهيبي، الذي كان عاشقا متيما بكل ما هو رياضي.

بمرور الوقت، واستئناسي بالأجواء في الجريدة، صرت أوسع حضوري، بحيث كتبت في قضايا المجتمع، تحت إشرف الزميل محمد بوترخة، وفي الفن، تحت إشراف الزميل سعيد بونوار، ومعه الأستاذ محمد علوط، واحتضنني الأخ العزيز عبدالواحد ماهر في شؤون أخرى، مثلما كان سخيا معي، طيلة الأيام الأولى، بـ"ساندويتشات" وكؤوس شاي، وكلمات لطيفة، تشجعني، وتعطيني الدعم اللازم، الذي لا ينسى ابدا.

__

(في الصورة المقر السابق لماروك سوار بشارع محمد الخامس بالدار البيضاء)