تميزت انطلاقة الموسم الفلاحي 2024/2025 بمؤشرات تبعث على القلق بسبب ضعف التساقطات المطرية، فقد عرف شهر دجنبر تساقطات ضعيفة رغم أنها أنعشت نسبيا الفرشات المائية، إلا أنها لا تفتح باب الأمل في استشراف موسم فلاحي واعد.
وكانت مديرية الدراسات والتوقعات المالية أوضحت أن متوسط التساقطات بالمغرب من 1 شتنبر إلى 6 دجنبر 2024 بلغ 50 ملم، مقابل 27 ملم فقط خلال نفس الفترة من السنة الماضية، لكن رغم ارتفاع حجم التساقطات المطرية مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، إلا أنها تبقى غير كافية، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالشهور القادمة،خاصة شهري يناير وفبراير، وما إذا كانا سيعرفان تساقطات مطرية كافية لإنعاش أمل الفلاحين في موسم فلاحي واعد.
وثمة تخوفات من تكرار سيناريو السنوات الماضية من حيث استمرار الجفاف وتكريس الخسائر التي شهدها موسم 2023/2024، حيث انخفضت المحاصيل الزراعية بنسبة 43 في المائة إلى 31،2 مليون قنطار.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، نبه زكرياء عباس، أستاذ باحث في استراتيجيات الأعمال والتجارة الدولية بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، إلى أن استمرارية الانتعاش تعتمد على انتظام الأمطار خلال الأشهر المقبلة، وفعالية أنظمة الري لتعويض العجز المائي السابق، مشيرا إلى ضرورة توخي الحذر في التوقعات نظرا لاستمرار المخاطر المناخية.
وللحد من الخسائر المحتملة بسبب توقعات استمرار الجفاف وانعكاساته السلبية على المحاصيل الزراعية،أعلن قطاع الفلاحة بوزارة الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه والغابات، عن إجراءات لدعم الحملة الجديدة، تشمل توزيع البذور المعتمدة بأسعار مخفضة، وتقديم إعانات للأسمدة الفوسفاطية والآزوتية، إضافة إلى إطلاق برنامج للري يغطي 700 ألف هكتار.
وحسب عباس، فإن الإعانات المقدمة للبذور والأسمدة تسهم في تخفيف الأعباء المالية عن الفلاحين، لكنها تستلزم أيضا تسهيل الولوج إلى القروض الفلاحية ومراجعة سلسلة التوريد لتجنب الزيادات المضاربة في الأسعار.
وأشار إلى أن جهة مثل درعة تافيلالت تحتاج إلى دعم إضافي يتمثل في توفير بذور مقاومة للجفاف وتعزيز البنية التحتية المائية.
يشار إلى أن تقرير نشرته منصة “ذي غرين بروفيت”، حول التحديات التي يواجهها المغرب بشأن انعكاسات التغير المناخي، إذ كشف أن “الجفاف المطول يتسبب للمملكة في مشاكل خطيرة، مما يهدد دائما الإنتاج الفلاحي بالاضطراب، ويهدد أساسا بانخفاض إنتاجية القمح وأسعار هذا الأخير”.
واشتغل التقرير على معطيات توثيقية، بما فيها صورة التقطها أحد أقمار “كوبرنيكوس”، تخص إقليم سيدي قاسم، حيث أشار إلى ما يفيد “تراجع نشاط زراعة الحبوب على مستواه هذه المنطقة، وهو الذي كان في السابق قلب إنتاج الحبوب في المغرب، قبل أن يصير غير مزروع بسبب نقص المياه”.
ويدعو الخبراء إلى توخي الحذر في مواجهة التقلبات المناخية. ويعتبر اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة، مثل الاستشعار عن بعد لتحسين نظم الري، ومواكبة صغار الفلاحين، عوامل حاسمة.
وفي هذا الإطار، شدد عباس على أهمية التحول الرقمي واعتماد تقنيات زراعية ذكية لتحسين إدارة المحاصيل والموارد المائية، مشيرا إلى أن ذلك يمثل رافعة أساسية.
ورغم التحديات، تظل الفلاحة قطاعا أساسيا في الاقتصاد الوطني، كما يتضح من أداء صادرات القطاع الفلاحي والصناعات الغذائية التي حققت نموا بنسبة +22 في المائة خلال الشهر الأول من الربع الأخير لسنة 2024، بعد انخفاض طفيف بنسبة 0،6 في المائة في السنة السابقة.
ومن المتوقع أن تسهم محاصيل الخضروات والحبوب والبقوليات، المدعومة بالإعانات والتأمينات المناخية، في استقرار الأسعار المحلية وتعزيز الأمن الغذائي.
ويؤكد الموسم الفلاحي 2024/2025 الحاجة الملحة لمواصلة الجهود الرامية إلى تحويل الفلاحة لتصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات المناخية.