قضايا

من ابتداعات الوزير بنموسى!

اسماعيل الحلوتي
الوقت الذي مازال فيه مداد المذكرة رقم 2428/24 الصادرة في 4 شتنبر 2024 بخصوص تشجيع التلميذات والتلاميذ على ممارسة رياضة الغولف لم يجف بعد، التي استفزت آلاف الأسر المغربية وأثارت جدلا واسعا واستنكارا شديدا على منصات التواصل الاجتماعي، يأبى مهندس النموذج التنموي الجديد ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، إلا أن يعود مرة أخرى ولا نظن أنها ستكون الأخيرة ما لم يشمله التعديل الحكومي المرتقب، لإشعال نيران الغضب عبر إقدامه بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية على تنظيم “المنتدى الوطني للمدرس” في نسخته الأولى التي تحتضنها العاصمة الرباط يومي 26/27 شتنبر 2024، بحضور قرابة ثلاثة آلاف مدرس ومدرسة و150 مؤطرا، وستكلف ميزانية الدولة زهاء نصف مليار سنتيم.

ويعد هذا المنتدى هو الأول من نوعه من حيث الجمع بين مدرسين وخبراء في القطاع التربوي، لتبادل الخبرات والتجارب من أجل المساهمة في تطوير المنظومة التعليمية بالمغرب، كما أنه يهدف إلى تسليط الضوء على الدور المحوري الذي يقوم به الأستاذ في تحول المدرسة العمومية، بما يتماشى مع تطلعات المواطنات والمواطنين، ويتيح الفرصة لنساء ورجال التعليم في اتجاه تحقيق الإثراء المعرفي وتعميق الفكر بين عدد من الفاعلين التربويين داخل قطاع التربية والتكوين من المغرب والخارج، وذلك عبر برمجة مليئة بالأنشطة التي تتمحور حول أربع تيمات رئيسية: التكوين في مهنة التدريس، التفتح في العمل، تبني ممارسات فعالة في القسم، كيف نفهم تلاميذنا؟

بيد أنه بدل تركيز المواطنين اهتماماتهم حول المنتدى وأبعاده والميزانية الضخمة التي رصدت له، اتخذ النقاش والجدل منحى آخر، حيث وجهت انتقادات حادة لوزير التربية الوطنية، بسبب إصراره المستمر على تبديد المال العام في أشياء بعيدة عن هموم وانشغالات المدرسين، ولاسيما أنه يعلم جيدا أن المغرب غارق في مستنقع المديونية. إذ بدل توجيه الدعوة لإحدى الشخصيات البارزة في مجال التربية والبيداغوجية والديداكتيك أو في الفلسفة والفكر، ارتأى منح شرف افتتاح الجلسة الأولى للفنان الكوميدي حسن الفذ، باعتباره مدرسا سابقا وبإمكانه إضفاء جو من المرح على الحاضرين، مع مكافأته بمبلغ 20 مليون سنتيم مقابل تقديم مداخلة لا تتجاوز مدتها 20 دقيقة حسب البرنامج المسطر. هذا دون الكشف عن قيمة التعويضات المخصصة ل”150″ مؤطرا، وخاصة أولئك الذين سيتم استقدامهم من خارج المغرب.

والأدهى من ذلك أنه رغم حجم الميزانية المرصودة للمنتدى الوطني الأول، فإنه يلاحظ حضور خبراء أجانب على حساب الأطر المغربية، والاقتصار على حضور شكلي للفاعلين النقابيين، إضافة إلى أن مثل هذه “الابتداعات” المغلفة بثوب “الأنشطة التربوية” لا تندرج ضمن الأولويات المطروحة في قطاع التعليم، ولا تمس في العمق تلك الاختلالات القائمة والمشاكل المتفاقمة التي تتخبط فيها المنظومة التعليمية، علما أنه لو أن الوزارة الوصية قامت بتسوية عدد من الملفات الفئوية من قبيل ملف الزنزانة 10 والمقصيين من خارج السلم وتعميم التعويض التكميلي على أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والمختصين والمساعدين التربويين، وتحسين الوضعية المتأزمة لشغيلة التعليم الأولي والتعويض عن العمل في المناطق النائية، وخاصة تلك التي تتعرض للكوارث الطبيعية، لكان ذلك أفضل بكثير وأضفى أجواء إيجابية على الشغيلة التعليمية، بل ولشكل دافعا أساسيا في النهوض بأوضاع المدرسة العمومية.

ويتساءل عدد من المهتمين بالحقل التربوي عن الأسباب التي حالت دون حضور مدير الموارد البشرية بصفته مسؤولا مباشرا عن تدبير شأن ما يناهز 340 ألف شخص من نساء ورجال التعليم، خاصة أن المنتدى موجه للمدرسين والفاعلين التربويين، ويستهدف تكوين المدرس. كما يستغرب الكثيرون من عدم تخصيص ولو مداخلة وجيزة من خمس دقائق لأي فاعل نقابي، بينما الوزارة لا تفتأ تتحدث بإسهاب عن الشركاء الاجتماعيين ورئيس الحكومة لا يكف عن التباهي بالدولة الاجتماعية، فأين نحن من الدور الاقتراحي للنقابات في مناقشة المحاور المبرمجة، مادام الأمر يرتبط بالمدرس في هذا الحدث الكبير؟

إن أشد ما نخشاه هو أن تسفر اجتماعات وورشات المنتدى الوطني للمدرس في نسخته الأولى عن نتائج تكون دون مستوى الجهود المبذولة والميزانيات المرصودة، أو مجرد أنشطة ترفيهية لهدر المال العام مثل باقي الأنشطة والبرامج السابقة، التي استنزفت ملايير السنتيمات بدون جدوى، ولاسيما بعد إقصاء الممارسين الفعليين الذين يعتبرون الأقرب إلى الأوضاع المهنية ويعيشون داخل المنظومة التعليمية، كما يعرفون خباياها، من أساتذة ومفتشين تربويين ورؤساء مؤسسات تعليمية، مدعمين بخبراء في الميدان وأساتذة جامعيين ومختصين في مجالات مختلفة تصب جميعها في قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي…