رأي

ادريس الروخ: الركمجة بين الدين والسياسة ورياضة فن القول

في البحر وعندما تهب الرياح وتنذر بحركة المياه فوق السطح متأثرا بتقلبات غير منتظمة تولد طاقة مشحونة تخضع لقوة الرياح وليتكون بعدها على شكل موجات قد تكون قصيرة المدى او طويلة ..وقد تستمر زمنا وقد تنقضي في حينها ، انها الامواج وهي غالبا ما تنشأ عن طريق دوافع وأسباب متعددة كالعواصف و الزلازل والبراكين وغيرها ، وبالتالي فهي فعل يتاثر بفاعل مأثر وقوي وقادر على ان يخلق فوضى في نظام الطبيعة ويفقد المكان كما الزمان توازنهما في الظاهر، ولكن في الحقيقة: الأمواج العميقة والضخمة تحافظ على التوازن البيئي وعلى عدم فساد مياه البحر .

وبغض النظر عن كون الامواج هي صورة لغضب البحر وفي نفس الوقت متعة للعين ومتعة لمن يركبها ويستعملها من اجل سعادته وسعادة البعض زمنًا محددًا ، لكن تبقى -أيضا -خطرًا لمن لا يعرف قوتها وخطورتها وغدرها ... فهي لا يمكن الوثوق بها ولا يمكن معرفة تقلباتها المفاجأة الا من طرف خبراء علوم البحر وعلماء الفيزياء .

لكن الهدف من موضوع كهذا ليس الموج بحد ذاته وليست التعريفات الفيزيائية لقوته وامتداده وسرعة انتقاله ... الخ، ولكن فقط لكي نتحدث عن ركوب الامواج في استعارة رياضية لمفهوم الركمجة والتي هي رياضة مائية تعتمد في تقنياتها على لياقة بدنية عالية وتركيز قوي وقدرة على ركوب الامواج فوق لوح والصمود فترة زمنية طويلة خصوصًا مع هبوب الرياح التي تعطي رونقًا خاصًا لمثل هذا الفعل الرياضي ..

وإذا كان الرياضي يركب على الموج من اجل متعته الخاصة ومن اجل خوض سباقات تجعله متميزا ومسيطرا على هذا الصنف من الرياضات المائية ففي ميادين كثيرة ومثيرة هناك من يركب الامواج الافتراضية لخلق نوع من البوز السياسي او الفني او الديني ...فكما هناك ركمجة كرياضة هناك أيضا ركمجة سياسية وركمجة دينية وركمجة فنية ..

ففي مجال السياسة تكثر وبشكل مثير ركمجات متعددة يرميها السياسي للوصول الى غايته فقد يركب على حدث اجتماعي ما للدعوة الى تفعيل او سن قوانين او التعبير عن غضب من اجل كسب المزيد من الأصوات الانتخابية وتظهر هذه الموجات خصوصًا عند اقتراب كل دورة انتخابية ، هنا تظهر صور وفيديوهات لشخصيات سياسية تتحول بقدرة قادر الى فاعلي خير يجترون ماضيهم خلفهم ويأكلون مع الشعب ويتجولون وسط احياء القصدير والبنايات المهترئة ويتأسفون بحرفية كبيرة ويستخدمون أحاسيسهم النائمة لفترة معينة قبل ان تعود الى سباتها ، ثم تجدهم يفتحون افواههم وعيونهم وينشرون الحماس بايديهم من اجل إقناع الرعية بكونهم الأصلح ، فينتقدون من كان قبلهم او من نافسهم على منصبهم ، يصرخون كانهم أبواق الأسواق النائية بصوت لا يعطيك الاحساس بصدق نيتهم ، يراوغون ويبرعون في ذلك كانهم فعلًا رياضيوا لعبة الركمجة ، يعرفون متى يصعدون ومتى ينزلون ، يقيسون سرعة رياح خصمهم ويسيقونه في نشكر الأكاذيب وتلفيق التهم وقد يكونون احيانا مصدرا حقيقا لمعلومات سرية لا يعلمها الا الراسخون في العلم ، وقد تجدهم يعانقون سيدة فقيرة وطاعنة في السن ورثة المظهر ، يقبلون رأسها امام كاميراتهم ، ويبتسمون كما الليث يبتسم ( اذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن ان الليث يبتسم )

بين مد وجزر يبني السياسي اليوم برنامجه الانتخابي دون الرجوع للفعل الحقيقي في بناء المجتمع وتنميته وتطوير آلياته والرفع من مستوى عيش المواطن ، بين ان تسلط الأضواء على حدث قد يفقده كرسيه او قد يثبته في رقعة السياسة والسياسيين ويصبح كلاعب الشطرنج يتحرك في اتجاهات تحطم خصمه وتحطم من صوتوا له وتحطم أعمدة الفعل السياسي الشريف ، نتذكر كيف كانت في زمن غير بعيد مناقشات مجلس النواب وكيف كانت المعارضة وكيف كانت قناعات السياسيين وكيف كانت الثقة بين المرشح والمواطن ، نتذكر اللغة والفعل والرغبة في التغيير والحماس ، نتدكر أشياء كثيرة( قد لا يكون الجميع في سلة واحدة ولكن من خرج بنية التغيير كان معروفًا لدى جل المواطنين كما الان و لكن بصورة اقل وبصيغة الندرة احيانا )

ما يقوم به السياسي يشبه الى حد ما ما يقوم به من يركب على الدين ( ففي نهاية المطاف يوظف هذا الأخير الدين سياسيًا في الحصول على السلطة ) ويعتقد انه بذلك يكسب المودة والحب والعطف ممن استهدفهم ، يحاول ان يسيطر عليهم بحجة الحلال والحرام بدون الخوض في التحليل والنقاش العلمي الجاد ، يعتقد انه بذلك يركب على بعض ظواهر حياة البسطاء من الناس ، فينزل بثقل مصطلحاته الرنانة على رؤسهم وأفئدتهم الضعيفة ، فيؤثر فيهم ليس من اجل نصرة الدين او من اجل تقوية العقيدة ( ولو كان ذلك سينال اجره من الخالق ) ولكن من اجل بلوغ علو الموج في أعالي بحار الجهل ، وكلما كان الجهل أرضًا خصبة وشاسعة كلما كانت السيطرة أسهل ،

والركمجة الدينية أصبحت قضية لمن لا قضية له ، ينتظر الفرص لكي ينزل جام غضبه على من سلطت عليه أصابع الاتهام ( سواء كان ذلك صوابًا او خطأ ) ثم بعدها يصول ويجول في كلام يفهمه ربما لوحده ( وهنا لا نعمم مطلقا .فهناك من يتق الله في نفسه واهله ودينه ويرفض ركوب مثل هذه الامواج بل لا يقترب منها - أليس : (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه.