فن وإعلام

انهار التنظيم..وانهارت الذات الصحافية..ونزلت أسهم المهنة إلى الحضيض

مصطفى الفن ( صحفي)

 يصعب، اليوم، أن نتحدث عن تنظيم ذاتي ولا عن تنظيم موضوعي لمهنة الصحافة بعد تسريب الفيديو المعلوم..

لقد انهار كل شيء..

انهار التنظيم..

وانهارت الذات الصحافية..

ونزلت أسهم المهنة إلى الحضيض..

وعوض أن يطرح التنظيم الذاتي حلولا، فقد طرح إشكالات بعضها فوق بعض..

التنظيم الذاتي للمهنة طرح لأول مرة إشكالية جديدة وهي إشكالية تحديد المفاهيم والمصطلحات..

وهكذا لم نعد نختلف حول الحدود الفاصلة بين من هو الصحافي وبين من هو "اليوتوبر"..

والواقع أن كرة الثلج تدحرجت في اتجاهات متعددة إلى أن اختلفنا حول من هو الناشر ومن هو الصحافي..

وهناك حتى من تساءل عما إذا كان الناشر هو بالضرورة صحافيا أم أن الأمر ليس كذلك؟..

صحيح أن القانون هو الذي زرع هذا اللبس طالما أنه صيغ بهذا الخرق الذي ترك الباب مشرعا على مصراعيه..

وربما من كوة هذا الباب، دخل الجميع ودخل كل من هب ودب إلى مهنة المتاعب..

ودعونا نضرب الأمثال بحالة سيدة ظهرت في الفيديو المعلوم في وضعية "هشاشة" فكرية ومعرفية وقانونية حادة وفادحة ومتقدمة ومسيئة للبلد ولنخبة البلد ولصحافة البلد..

فما هي قصة هذه السيدة التي أصبحت ناشرة وصحافية بضربة حظ وأيضا ضدا على منطق الأشياء؟..

القصة وما فيها أن المعنية بالأمر هي نفسها من تقول إنها ليست ناشرة وليست صحافية..

"أنا مقاوِلة ليس إلا..

لكن، أنا قادرة على خلق فرص عمل للشباب..

وأنا قادرة على التنقيب والبحث عن الأموال من تحت الأرض..

وأنا قادرة على الاستثمار في عالم الصحافة والنشر"..

نعم هذا جوهر ما تقوله صاحبتنا بعظمة لسانها..

إذن من هم الذين غرروا ب"عائشة" وغرروا بالمقاوِلَة وغرروا بإنسانة وأدخلوها إلى عش الدبابير وأوهموها بأن مزاولة مهنة الصحافة لا تحتاج إلى الموهبة ولا إلى إلى أي بسطة في العلم؟..

وكم هو مؤلم أيضا أن تكون حصيلة امرأة، طيلة أكثر من 20 سنة، هي آلاف "النكت الخاسرة" أمام الرجال سواء في إطار مهني أو في إطار لقاءات رسمية لمؤسسة منظمة بقانون..

وأنا ليس لي أي مشكل شخصي مع المعنية بالأمر..

لكن مسؤلية السيد عبد المنعم دلمي ثابتة طالما أن الرجل اختار "نقب النخالة" مع الدجاج..

وربما حتى مسؤولية آخرين هي مسؤولية ثابتة لأنهم انتصروا ل"السراب" عوض الانتصار للمعنى..

ويا ليتَ الأمور وقفت عند هذا الحد، إذ تم الشروع فيما هو أخطر من ذلك..

ذلكم أنهم، وبعد  أن أدخلوا مهنة الصحافة بكاملها إلى بيت الطاعة..

وبعد أن ألبسوا الصحافيين "زيا موحدا" مثلما يقول دائما  زميلي ابن الراضي، فقد انتقلوا إلى عصب الحياة لقتل أي أحد لا يشبههم..

وعصب الحياة هو "سوق الإشهار"..

وفعلا، لقد نُظِّمَت ونُسِّقت حملات تشهيرية وتهديدية ضد وكالات للتواصل وأُعلِنت حروب كثيرة وكالات أخرى..

بل إنهم اتصلوا أو التقطوا صورا مع مسؤولين نافذين في الدولة وضغطوا بقوة على شركات وعلى مؤسسات عمومية وغير  عمومية في أفق إلغاء عقود إشهارية مع وكالات في التواصل بعينها..

وليس سرا أن هناك مؤسسات استسلمت لهذه الضغوطات ظنا منها أن "الفوق" هو الذي يقف ربما وراء "أناس" يتحركون كما لو أنهم "شارين الطريق"..

وأنا هنا لا أتهم أحدا ما أو "جهة ما" ولا أريد أن أشخصن الصراع مع أي أحد لأن ما جرى من وقائع تضرر منه الجميع وتضررت منه أكثر سمعة البلد بكامله..

بقي فقط أن أقول:

إن الحل ليس هو الهروب إلى الأمام للنفخ في جثة بلا روح اسمها المجلس الوطني للصحافة..

الحل ربما هو العودة إلى الوزراة الوصية لأن هذه الوزارة هي أدرى بشؤوننا نحن الصحافيين حتى لا تتكرر المأساة بصور أخرى أكثر سوءا وأكثر "دراما" مما رأيناه اليوم..