مجتمع وحوداث

مقاهي الكرة الشعبية.. حين يصبح الحي ملعباً

محمد أنور الشرقاوي
 في حي اليوسيفية، هناك مقهى صغير يسمى "مقهى الأصدقاء"، لكنه ليس مجرد مكان لتناول القهوة، بل أشبه بملعب صغير يعج بالوجوه التي تعرف بعضها من بعيد.

 ليس كل مرتاديه أصدقاء، لكنهم جميعاً جزء من هذا المشهد المتكرر، حيث السلام يُلقى والابتسامات تتبادل بلا مقدمات.

هناك في الزاوية، يجلس شاب منهمك في الكلمات المتقاطعة، لكن أذنه دائماً مع المباراة. 

يصرخ أحدهم فجأة: "متى تلعب الريال؟" فيجيبه من الزاوية الأخرى: "بعد العشاء، لا تفوتها."

اليوم مباراة تلهب المشاعر "الجيش الملكي" ضد " الرجاء البيضاوي". الأغلبية ملكية الا القليل. 

تبدأ المباراة، وتبدأ معها طقوس الفرح الجماعي. 

التصفيقات تعلو مع تمريرة ساحرة، والتأوهات تنطلق كأنها نواح جماعي عند ضياع هدف محقق.

 لاعب يُخطئ، فيصيح أحدهم من عمق قلبه: "مكلخ!" وآخر، هاتفه بيده، يصدر حكمه: "لمسة يد، الحكم ما شافها؟"

الكراسي متراصة بطريقة تجعل الجميع جزءاً من الحدث.

 لا أحد غريب، حتى لو لم تعرفه.

 القهوة تدور بين الأيدي، وكؤوس "كوكا" تعود فارغة. 

السرباي يتسلل بين الطاولات، يجمع دراهمه القليلة، لكنه دائماً يقبضها بابتسامة راضية، وإن كان يعلم أن بعض الشبان "يسلتون" بعد انتهاء المباراة.

تصل اللحظات الأخيرة. 

الكرة تُقذف نحو المرمى بطريقة تخطف الأنفاس، لكن الهدف لا يأتي. هدير الأصوات في المقهى يشبه الرعد.

 الجميع على أعصابهم. 

السرباي متوتر بعض الشيء، عينه على المقاعد، يعرف تماماً من الذي دفع ومن الذي ينتظر الفرصة ليهرب. 

"راه معروف، هاد المرة غادي يسلت، المرة الجاية غا بحصل!"

هكذا هي مقاهي الكرة في الأحياء الشعبية، حياة مصغرة، حيث تنصهر الاختلافات وتلتقي الأرواح حول مباراة. 

إنها ليست مجرد كرة، إنها لغة الحي، طقوسه، وعالمه الصغير الذي ينبض بكل التفاصيل.

يجلس شخصان قرب بعض على نفس الطاولة ولا سابق معرفة بينهما. 

صافرة النهاية فيقف الخاسر والرابح وكلمة " سير" تطن في آذانهم.....