سياسة واقتصاد

خطاب ترسيخ شرعية الواقع وتفنيد وهم المواقع

محمد أوزين (الأمين العام لحزب الحركة الشعبية)
في استحضار ذكرى وطنية خالدة كان سلاحها الشرعية والسلمية، وضع الخطاب الملكي السامي، بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، مرة أخرى النقط على الحروف، بلغة راقية تسطع حروفها بنفحات الإيمان بعدالة قضية سهر المغرب على تدبيرها، منذ نصف قرن، بحكمة وتبصر وصبر الواثق بأن التاريخ ينصف الحق مهما كان حجم التضحيات ومهما لد ولج الخصوم في المكر والعداء.

ويتم، هذه السنة، تخليد هذه الملحمة الوطنية الخالدة، في ظل الانتصارات والمكتسبات التي حققتها بلادنا على أكثر من صعيد ومستوى، سواء من خلال تأكيد فرنسا، وهي الملمة بكل خبايا التاريخ، على الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، أو من خلال نتائج تصويت مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، على القرار الأممي رقم 2756، تلك النتائج التي شكلت ضربة قاصمة لخصوم وحدتنا الترابية، بعد أن عجزت ادعاءاتهم الواعية عن استمالة بلدان تخلصت من رواسب فترة الحرب الباردة.

لقد أكد الخطاب الملكي السامي على أنه ثمة واقع جديد مبني على الحق والمصداقية، واقع يعلو ولا يعلى عليه، في مواجهة " عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن"، وهي الحقيقة الساطعة التي أدركها العالم، حقيقة لم يستسغها من لا يزال يحاول الحرث في مياه البحر. وهنا بيت القصيد.

لم يختر المغرب كأمة تعود نشأتها على الأقل إلى 33 قرنا جغرافيته، ولا الموقع الذي حباه به الله فوق هذا المعمور. وكانت بلادنا، على مر العصور، داعية للسلام والوئام بين الشعوب، وواحة للتعايش بين مختلف الحضارات والثقافات، في إطار الحفاظ على "تامغرابيت" التي هي طابع الانتماء والصبغة الأولى.

وليس غريبا ولا مستغربا على المغرب أن يكون في الطليعة والريادة من أجل إرساء تعاون جنوب- جنوب يفتح الآفاق واسعة أمام القارة الإفريقية من أجل تحقيق تنمية مستدامة لفائدة شعوبها، بل أكثر من ذلك، أبدت بلادنا استعدادها لفتح بوابة المحيط الأطلسي أمام الأشقاء الأفارقة، في التفاتة تجسد الانتماء الإفريقي الصادق للمغرب كخيار استراتيجي، وهو المغرب نفسه الذي وجه رسالة واضحة للجميع على لسان ملكه: "إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".

الحقيقة صادحة مدوية، قد يستاء منها البعض، ويسخر منها الجهل، ويحرفها الحقد، لكنها تبقى جاثمة على صدر المكر والالتفاف والتغرير.