رأي

محمد عزيز الوكيلي: "أصحاب العقول" في راحة!!

تعبير "أصحاب العقول في راحة"، يُقصد يه المجانين والمعتوهين الذين رُفِع عنهم القلم وتجاوزهم التكليف، لأن هؤلاء، فعلاً، هم المتمتعون براحة البال بالرغم من كل ما يصدر عنهم من حماقات لا تجد لها أدنى تفسير في عالم المُكَلَّفين وذوي الألباب من العُقلاء!! 

أول أمس، على إثر توصّل عجزة الموراديا بفحوى الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في جلسة افتتاح الدورة التشريعية الثانية برسم هذه السنة، أصدر أولئك العجزة أمرهم إلى وزير الخارجية المسكين، أحمد عطاف، ليقوم بإجراء لا يوجد له مثيل في التاريخ السياسي والدبلوماسي العالمي، يتمثل في استدعاء سفراء الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، لماذا؟ ليستفسرهم حول التصريحات والمواقف التي أعلن عنها قادة بعضهم، وحكومات بعضهم الآخر، والتي رفضت جملةً وتفصيلاً قرار محكمة العدل الأوروبية القاضي بعدم قانونية اتفاقيتَيْ الصيد والفلاحة بين الاتحاد والمملكة المغربية، أو بعبارة أوضح، ليُبديَ لهم غضب رؤسائه واستهجانهم لتلك المواقف والتصريحات، مذكراً إياهم بأن القانون يقتضي خضوعهم لأحكام محكمة العدل سالفة الذكر، والامتثال لقراراتها الداعمة لشرذمة البوليساريو، ولِما يسميه هو ورؤساؤه شعباً صحراويا لم تتم استشارته من لدن الرباط وشركائها قبل أن تعقد الاتفاقيتيْن المعنيتيْن، كما جاء في قرار المحكمة، مادام الأمر يتعلق بخيرات "الشعب الصحراوي" تحديداً، وليس بأي شعب آخر غيره!

وبطبيعة الحال، فحكام الموراديا لا يُلقون أي اعتبار لنحو تسعين في المائة من ذلك الشعب، من الذين يمارسون شؤونهم داخل وطنهم وأقاليمهم الأصلية والأصيلة، والذين لا علاقة لهم بخيام تيندوف ودواويرها المسمّاة ظلماً وعدواناً وكذباً بنفس أسماء مدن الجنوب المغربي... فكيف ينبغي أن تكون قراءة العاقلين المكلَّفين لهذه الخطوة الضاربة أطنابها في تربة اللامعقول؟!! 

أولاً: إن التصريحات والمواقف التي عبرت عنها قيادات وحكومات دول الاتحاد الأوروبي، المشدِّدة على التزامها بشراكتها الإستراتيجية مع المملكة الشريفة، ليست إلا إجراءً نابعاً من قرار سيادي يخص تلك الدول والحكومات، لأنها وحدها المعنية بشراكاتها مع المغرب، وما كان عليها أن تستشير حكام الجزائر قبل اتخاذها لتلك المواقف السيادية، اللهم إلاّ إذا كانت دول أوروبا مستعمَرات جزائرية خارج وعينا، وخارج وعي العالم برمته (!!!)؛ 

ثانياً: إن الآلية الدبلوماسية المتمثلة في استدعاء السفراء للاستفسار، كما يُعَرِّفُها القانون الدولي، لا يتم اللجوء إليها إلا عندما يقع مسٌّ أو إضرارٌ مباشرٌ بمصالح الدولة التي يُعتمَد لديها السفراءُ المعنيون... وإلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يعلم أحد من العالمين طبيعةَ الضرر الذي لحق بدولة الجزائر، (أعتذر هنا عن استعمال وصف "دولة")، ولا نوعَ المساس الذي لحق بمصالحها الداخلية والخارجية على السواء... مع العلم بأن استدعاء أي سفير للاستفسار يعتبر خطوة ممهِّدة لتأزيم العلاقات، وربما قطعها مع الدولة التي يمثلها ذلك السفير... وقد أخبرنا التاريخ السياسي والدبلوماسي بأن الحالات التي يُستفسَر فيها سفير من السفراء من لدن الدولة المضيفة، غالباً ما تنتهي إلى استدعاء سفير هذه الأخيرة المعتمَد لدى دولة السفير الذي وقع استفسارُه... فهل تنوي الجزائر استدعاء سفرائها بمجموع دول الاتحاد الأوروبي، كما فعلت سابقا مع إسبانيا وفرنسا، أم أنها بصدد رقصة جديدة وغير مسبوقة ينبغي علينا، وعلى العالم من حولنا، أن ننتظر ما قد تفضي إليه من العبث واللامعقول، مادام الأمر والخيار في أيدي أنفار مرفوعٌ عنهم القلم، ولا ينتمون بأي وجه من الأوجه إلى سلالة الدول الملتزمة بقواعد القانون الدولي في الفهم والمُناوَلة والمُعامَلة!!!  

ثالثاً: تُرى، ما الذي كان يدور بخَلَد كل سفير من السفراء الأوروبيين الذين تعرضوا لهذه الإهانة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، لأن إخضاعهم للاستفسار بصورة جماعية يشكّل فعلاً محضَ إهانةٍ ومساساً بالكرامة... وتُرى أيضاً، ما الذي دار في خَلَد كل رئيس أو ملك، من رؤساء أوروبا الاتحادية وملوكها، وهم يرون سفراءَهم يُعامَلون كما يعامَل التلاميذ الأشقياء في مدارس الزمن الغابر، ومِن لدن مَن؟.. من لدن كيان يمكن أن نطلق عليه أيَّ شيءٍ آخر غير التوصيف القانوني والدستوري لاصطلاح "دولة"!!!  

رابعاً: إن اتفاقيات الشراكة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي صادرة عن كيانات قانونية معترف بها دولياً، كما أنها شراكات خاضعة لقواعد وقوانين التعامل الدولي، فضلا عن كونها معاهدات خادمة لمصالح أطرافها بالجملة... فما الذي يجعل مؤسسة قضائية عليا، مثل محكمة العدل الأوروبية، تُنقّب وتبحث "بالريق الناشف" وبكل ما لديها من جهد وطاقة وكفاءة، عن أي شيء يمكن استغلاله وتحويله إلى حصاة تضعها في الحذاء المغربي، لمجرد وضع حواجز وعثرات في طريق المغرب، رغم علمها يقيناً بأن ذلك لا يخدم مصالح دول الاتحاد، التي هي مَن أنشأت تلك الهيأة القضائية للدفاع عن مصالحها العليا وصونها ضد أي مساس أو ضرر... فإذا بها هي التي تتفنن في الإضرار بتلك المصالح عن قصد وبسبق الإصرار والترصد... فكيف نفسر هذا السلوك الغريب والعبثي من لدن محكمة عليا تجمع بين خيرة قضاة أوروبا ورجالات قانونها الضاربة شهرتهم في الآفاق؟!! 

خامساً: إن الخطوة التي أقدم عليها حكام الجزائر تجاه سفراء دول الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى سلوك كل من محكمة العدل الأوروبية والمواقف الرافضة لحكومات الاتحاد الأوروبي، لا يمكن فهمها إلا من خلال فرضيةٍ هي أقرب إلى الواقع من أي توصيف آخر، وهي أن النظام الجزائري فتح محفظته وأجزل العطاء لبعض قضاة تلك المحكمة، حتى لا أقول جميعهم، وأنه كان يتوقع منطوق القرار الصادر بعد ذلك عن المحكمة ذاتها بحذافيره، ولكنه لم يكن يتوقع أنّ الطرف الأوروبي سيغضب لكرامته، بعد أن يكون قد أخذ علماً، بطريقة أو بأخرى، بما جرى ويجري في الكواليس وخلف الحُجُب، ولذلك لم يتمالك ذلك النظام الغبيُّ نفسه فقام إزاء السفراء الأوروبيبن بتلك الخطوة العبثية والمُهينة، وموازاةً مع ذلك، لم يستطع القضاة المعنيون بفرضية الإرشاء، من جهتهم، أن يصبروا ويُصابِروا ويظلوا في أماكنهم، ولذلك أسرع معظمهم في المغادرة إلى وجهاتٍ غيرِ معلومة!!! 

وأخيراً... تبقى هناك فرضية أخرى في غاية الغرابة ولكنها محتملة الحدوث، وهي أنْ يكون الأوروبيون قد أدّوا أدوارهم المسرحية باحترافية يُحسَدون عليها، فتركوا قضاتهم يستمتعون من "المال الجزائري السايب" بما تيسّر كمكافأة لهم على طول أمد خدمتهم للعدالة الأوروبية، وفي الوقت نفسه تخرج الحكومات بتصريحاتها ومواقفها الرافضة للقرار القضائي والمتمردة عليه، وهكذا تستفيد أوروبا وقُضاتها، ولا يكون الخاسر في كل هذه الاحتمالات سوى نظام العجزة الأغبياء، الذين أدمنوا على إعطاء القدوة في السفه والتبذير العبثي للمال الجزائري العام...

وكل حُكم جديد وذلك النظام أكثر غباءً وتَبلُّداً، وأكثر سفاهةً في تدبير أموال الغاز والنفط، وأشدَّ إثارةً للسخرية والرثاء!!!